للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣ - (الرُّؤْيَة وَالنَّظَر وَجَمِيع مَا فِيهِ)

غير وَاحِد رَآهُ يَرَاه رَأْياً ورُؤْية قَالَ سِيبَوَيْهٍ: كُلُّ شَيْء كَانَت أوّلَه زائدةٌ سِوى ألفِ الوَصْل من رأيْت فقد اجْتمعت الْعَرَب على تَخْفيف همزه كَقَوْلِهِم نَرَى وتَرى ويرَى وأَرى جعلُوا الْهمزَة تعاقب وَذَلِكَ لِكَثْرَة استعمالهم إِيَّاه، قَالَ: وحَدثني أَبُو الْخطاب أَن نَاسا من الْعَرَب يَقُولُونَ قد أرَاهُ يَجِيءُ بهَا على الأَصْل من رَأَيْت وَأنْشد غَيره: أحِنُّ إِذا رأيْتُ جِبَال نَجْد وَلَا أَرْأى إِلَى نَجْد سَبِيلا أَبُو عبيد، رأى الرجلُ فلَانا وَرَاءه على القَلْب وَأنْشد: فَلَيْت سُوَيْداً راءَ من فَرَّ مِنْهُمُ ومَن خَرَّاذ يَحْدُونَهُم كالجَلائِبِ. ويروى بالكَتائِبِ، أَبُو عَليّ: الرَّأْي، الْفِعْل والرِّئْيُ المرئى مثل الطَّحْن والطِّحْن فَأَما مَا روى من قِرَاءَة من قَرَأَ ورِيئاً فَإِنَّهُ قَلَب الْهمزَة الَّتِي هِيَ عين إِلَى مَوضِع اللَّام فَصَارَ تَقْدِيره فِلْعا فَأَما قَوْلهم لَهُ رُوَاء فيُمكِن أَن يكون فُعَالاً من الرُّؤْية فَإِن كَانَ كَذَلِك جَازَ أَن تُحَقَّق الهمزةُ فَيُقَال رؤاء فَإِن خفت الْهمزَة أبدلت مِنْهَا واواً كَمَا أبدلتها فِي جُوَن وتُودة فَقلت رُوَاء وَيجوز فِي الرواء أَن يكون فُعَالا من الرِّيِّ فَلَا يجوز همزه كَمَا جَازَ فِي قَول من أَخذه من بَاب رَأَيْت فَيكون الْمَعْنى أَن لَهُ طَراءة وَعَلِيهِ نَضَارة لِأَن الرِّي يتبَعُه ذَلِك كَمَا أنّ الْعَطش يتبعهُ الذبول والجَهْد فَأَما قَوْله تَعَالَى: (فانْظُرْ مَاذَا تَرَى) فقد قرئَ تَرَى وتُرِى، قَالَ أَبُو عَليّ: من فتح التاءَ فَقَالَ مَاذَا تَرَى كَانَ مفعول تَرَى شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أَن تكون مَا مَعَ ذَا بِمَنْزِلَة وَاحِدَة كاسم وَاحِد فيكونان فِي مَوضِع نصب بِأَنَّهُ مفعول ترى وَالْآخر أَن يكون بِمَنْزِلَة الَّذِي فَيكون مفعول ترى الْهَاء وَالْهَاء محذوفة من الصِّلَة وَتَكون ترى الَّذِي هَذَا مَعْنَاهَا الرَّأْى وَلَيْسَ إِدْرَاك الْجَارِحَة كَمَا تَقول فلَان يَرَى رأْى أبي حنيفَة وَمن هَذَا قَوْله تَعَالَى: (لتَحكم بَين النَّاس بِمَا أَرَاك الله) فَلَا يَخْلُو أَرَاك من أَن يكون نقلهَا بِالْهَمْزَةِ من الَّتِي هِيَ رَأَيْت يُرِيد رُؤْيَة الْبَصَر أَو رَأَيْت الَّتِي تتعدى إِلَى مفعولين أَو رَأَيْت الَّتِي بِمَعْنى الرَّأْي الَّذِي هُوَ الإعتقاد والمَذْهب وَلَا يجوز من الرُّؤْيَة الَّتِي مَعْنَاهَا أَبْصرت بعَيْنَيَّ لِأَن الحكم فِي الْحَوَادِث بَين النَّاس لَيْسَ مِمَّا يُدْرَك ببصر فَلَا يجوز أَن يكون هَذَا الْقسم وَلَا يجوز أَن يكون من رَأَيْت الَّتِي تتعدَّى إِلَى مَفْعولين لِأَنَّهُ كَانَ يلْزم بِالنَّقْلِ بِالْهَمْزَةِ أَن يَتَعَّدى إِلَى ثَلَاثَة مفعولِين وَهِي فِي تعديه إِلَى مفعولين أَحدهمَا الْكَاف الَّتِي للخطاب وَالْآخر المفعولُ الْمُقدر وحَذْفُه من الصّلة تَقْدِيره بِمَا أَراكه الله وَلَا مفعولَ ثَالِثا فِي الْكَلَام دَلِيل على أَنه من رَأَيْت الَّتِي مَعْنَاهَا الاعتِقَادُ والرَّأْى وَهِي تتعدّى إِلَى مفعول وَاحِد فَإِذا نقل بِالْهَمْزَةِ تعدّى إِلَى مفعولَيْن كَمَا جَاءَ فِي قَوْله تَعَالَى: (بِمَا أَرَاك اللهُ) فَإِذا جعلت ذَا من قَوْله تَعَالَى مَاذَا ترى بِمَنْزِلَة الَّذِي صَار تقديرهُ مَا الَّذِي ترَاهُ فتَصِير مَا فِي مَوْضِع ابْتِدَاء وَالَّذِي فِي مَوضِع خَبره وَيكون الْمَعْنى مَا الَّذِي تذْهب إِلَيْهِ فِي الَّذِي ألقيْت إِلَيْك هَل تَسْتَسْلم لَهُ وتَلَقَّاه بالقَبُول أَو تأْتي غيرَ ذَلِك فَهَذَا وَجه قَول من قَالَ مَاذَا ترى بِفَتْح التَّاء وَقَوله تَعَالَى: (افْعل مَا تُؤْمَرُ بِهِ) دِلالة على الاستسلام والانقياد لأمر الله جلَّ وَعز وَأما قَول من قَالَ مَاذَا تُرِى فَمَعْنَاه أجَلَداً تُرى على مَا تُحْمل عَلَيْهِ أم خَوَرا وَالْفِعْل مَنْقُول من رأى زيدٌ الشيءَ واريته إِيَّاه إِلَّا أَنه من بَاب أَعطيت فيَجُوز أَن يُقْتصر على أحد المفعولين دون الآخر كَمَا أَن أَعْطَيْت كَذَلِك وَلَو ذكرت الْمَفْعُول كَانَ من بَاب أَرَيت زيدا خَالِدا وَلَو قَرَأَ قَارِئ مَاذَا تُرَى لم يجز لِأَن تُرَى يتعدَّى إِلَى مفعولِيْن وَلَيْسَ هُنَا إِلَّا مفعول وَاحِد والمفعولُ الْوَاحِد إمَّا أَن يكونَ مَاذَا مَجْمُوعَة وَإِمَّا أَن

<<  <  ج: ص:  >  >>