بمَصْدَرين لهذيْن الفِعلين وَإِن كَانَا قد يوضَعان فِي موضعِ المصدرِ فَيُقَال اطْمَأْنَنْت طُمَأْنينةً واقْشَعْرَرْت قُشَعْريرة كَمَا أنَّ النَّبات لَيْسَ بمَصْدَر وَإِن كَانَ قد يوضع فِي مَوْضِعه، قَالَ الله عز وَجل: (واللُه أَنْبَتكُم من الأرضِ نَباتا) .
هَذَا بابُ نظيرِ ضَرَبْت ضَرْبَةً ورَمَيْت رَمْيَةً من هَذَا الْبَاب
اعْلَم أَن الواحدَ من مَصْدَر مَا يُجاوِزُ الثلاثةَ أَن تَزيدَ على مصدرِه الهاءَ فَإِن كَانَ المَصْدَر يلزمُه الهاءُ اكتفيْتَ بِمَا يَلْزَمه من الهاءِ وَإِن كَانَ للفِعل مَصْدَران جعلتَ الواحدَ من لفظ المَصْدَر الَّذِي هُوَ الأصلُ والأكثرُ تَقول أَعْطَيت إعْطاءةً وأَخْرَجت إخْراجةً إِذا أَرَدْت المرَّة الواحدةَ وَكَذَلِكَ اَحْتَرزت اَحْتِرازةً وانْطَلَقت انْطِلاقةً وَاحِدَة واسْتَخْرَجت اسْتِخْراجةً وَاحِدَة واقْعَنْسَسْت اقْعِنْساسةً واغْدَوْدَنَ اغْدِيدانةً وفعَلَّت بِهَذِهِ الْمنزلَة تَقول عذَّبْته تَعْذِيبةً وروَّعْته تَرْوِيعةً والتَّفَعُّل كَذَلِك وَذَلِكَ قَوْلهم تقَلَّب تَقَلُّبَةً وَاحِدَة وَكَذَلِكَ التَّفاعُل تَقول تَغَاَفلَ تغافُلةً وتَعاقَلَ تَعاقُلَةً وَأما فاعَلْت فإنَّك إِن أَرَدْت الواحدةَ قلت قاتَلْتُه مُقاتَلةً ورامَيْته مُراماةً وَلَا تَقول قاتَلْته قِتالةً لِأَن أصل المَصْدَر فِي فاعَلْت مفاعَلةٌ لَا فِعالٌ وَإِنَّمَا تجعلُ المرةُ على لفظ المَصْدَر الَّذِي هُوَ الأَصْل وأَغْنَتك الهاءُ عَن هاءٍ تجلبُها للمرة فالمُقاتَلة بِمَنْزِلَة الإقالةِ والاستِغاثَة لِأَنَّك لَو أردتَ الفَعْلة فِي هَذَا لم تجاوِز لفظَ المصدرِ للهاء الَّتِي فِي المَصْدَر. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَلَو أَرَدْت الواحدةَ من اجْتَوَرْت فَقلت تَجاوُرَةً جَازَ لِأَن الْمَعْنى واحدٌ فَكَمَا جَازَ تَجاوُراً يَعْنِي فِي مَصْدَر اجتَوَر تَجاوُرَةً فِي الْوَاحِد مصدر اجتوَرَ وَمثل ذَلِك يَدَعُه تَرْكَةً وَاحِدَة كَمَا تَقول فِي غير الْوَاحِد يدَعُه تَرْكَاً.
هَذَا بابُ نَظِير مَا ذكرنَا من بَنَات الأربعةِ وَمَا أُلحِق ببنائها من بناتِ الثلاثةِ
تَقول دَحْرَجته دَحْرَجةً وَاحِدَة وزَلْزَلته زَلْزَلةً وَاحِدَة جيءَ بِالْوَاحِدِ على المَصْدَر الْأَغْلَب الأكثرِ أَعنِي أَنَّك لَا تَقول زِلْزالةً لِأَن الأَصْل والأكثرَ فِي مَصْدَر فَعْلَلت فَعْلَلَةٌ وَأما مَا لَحِقَته الزوائدُ فجَاء على مِثَال اسْتَفْعَلت فَإِن الْوَاحِدَة تَجِيء على مِثَال اسْتِفْعالَة وَذَلِكَ قَوْلك احْرَنْجَمْت احْرِنْجامةً واقْشَعْرَرْت اقْشِعْرارةً وَقد مضى الْكَلَام فِي نَحوه.
هَذَا بَاب اشتِقاقكَ الأسماءَ لمواضعِ بناتِ الثَّلَاثَة الَّتِي لَيست فِيهَا زيادةٌ من لَفظهَا
أما مَا كَانَ من فَعَلَ يَفْعِل فَإِن مَوضِع الفِعل مَفْعِل وَذَلِكَ قَوْلك هَذَا مَحْبِسنا ومَضْرِبنا ومَجْلِسُنا كَأَنَّهُمْ بنوه على بناءِ يَفْعِل وكَسروا العينَ كَمَا كسروها فِي يَفْعِل فَإِذا أردْت المَصْدَر بنيته على مَفْعَلٍ وَذَلِكَ قَوْلك إِن فِي ألفِ دِرْهمٍ لَمَضْرَبا: أَي لَضَرْبا، وَقَالَ الله عز وَجل: (أَيْنَ المَفَرّ) . يُرِيد أَيْن الفِرار فَإِذا أَرَادَ الْمَكَان قَالَ أَيْن المَفِرُّ كَمَا قَالُوا المَبيت حِين أَرَادوا المكانَ لِأَنَّهَا من باتَ يَبيتُ وَقَالَ الله تَعَالَى: (وجعَلْنا النَّهارَ مَعاشاً) . أَي جَعَلْنَاهُ عَيْشَاً وَقد يجيءُ المَفْعِل يُراد بِهِ الحِيْن. فَإِذا كَانَ من فَعَلَ يَفْعِل بَنَيْته على مَفْعِل تَجْعَل الحِينَ الَّذِي فِيهِ الفعلُ كالمكان وَذَلِكَ قَوْلك أتَتِ الناقةُ على مَضْرِبِها وأتتْ على مَنْتِجِها إِنَّمَا تُرِيدُ الحينَ الَّذِي فِيهِ النِّتاج والضِّراب وَرُبمَا بَنَوْا المَصْدَر على المفعِل كَمَا بنوا المكانَ عَلَيْهِ وَالْقِيَاس المَفْعَل فَمَا بَنَوْا فِيهِ المَصْدَر على المَفْعِل المَرْجِع، قَالَ الله تَعَالَى: (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكم) . وَمن ذَلِك فِيمَا ذكره سِيبَوَيْهٍ المَطْلِع فِي معنى الطُّلوع وَقد قَرَأَ الْكسَائي: (حَتَّى مَطْلِعِ الفجرِ) . وَمَعْنَاهُ حَتَّى ضلوع الْفجْر، وَقَالَ بعض النَّاس المَطْلِع الموضِع الَّذِي يَطْلُع فِيهِ الْفجْر والمَطْلَع المَصْدَر وَالْقَوْل مَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ لِأَنَّهُ لَا يجوز إبطالُ قراءةِ من قَرَأَ بالكَسْر وَلَا يحْتَمل إِلَّا الطُّلوع لِأَن حَتَّى إِنَّمَا يَقع بعْدهَا فِي التَّوْقِيت مَا يَحْدُث والطُّلوع هُوَ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute