للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

دخل حرف الجرِّ تمكَّن وَخرج من حيِّزِ الظروف إِلَى حيِّزِ الْأَسْمَاء. وَمن ذَلِك قَوْله لقِيته يومَ يومَ وعِلَّة الْبناء تضَمن الْوَاو. وَمن ذَلِك قَوْلهم لَقيته كَفَّةَ كَفَّةَ: أَي كَفَّةً لِكَفَّةٍ، وَإِن شِئْت قدَّرْت بكفَّة عَن كفَّة، وكَفَّةٍ على كَفَّةٍ: أَي متكافَّيْنِ وَذَلِكَ أَن كلَّ وَاحِد من المتلاقيين يكُفُّ صَاحبه عَن أَن يجاوزَه إِلَى غَيره فِي دُفعة تلاقيهما. وَتقول هُوَ جاريْ بيتَ بيتَ وَالْمعْنَى بيتٌ لبيْتٍ حذفت حرف الجرِّ وضمَّنته مَعْنَاهُ فبُنيا لذَلِك وَجعلا اسْما وَاحِدًا فِي مَوضِع ملاصقاً كَأَنَّك قلت هُوَ جاري ملاصقاً، وَالْعَامِل فِي مَوضِع بيتَ بيتَ قَوْلك جاري لتضَمُّنه معنى مُجاوري، وَمن النَّحويين من يَقُول لَقيته يومُ يومُ وَهُوَ شاذٌّ وَتَفْسِيره أَنه يَجْعَل يومُ الأول بِمَعْنى مذْ واليومُ الثَّانِي مَعْلُوما قد حذف مِنْهُ مَا أُضيف إِلَيْهِ كَأَنَّهُ قَالَ لم أرَهُ مُذْ يومَ تعلَمُ ويبنيه كَمَا بُنِي قبلُ وبعدُ حِين حُذِفَ مَا أُضيفا إِلَيْهِ. وَمن ذَلِك لَدُنْ وَفِيه ثَمَانِي لغاتٍ وَهِي لَدُنْ ولُدُنْ ولَدَى ولَدُ ولَدْنِ ولُدْنِ وَلْد ولَدىً وَمَعْنَاهَا عِنْد وَهِي مَبْنِيَّة مَعَ دُخُول حرف الجرِّ عَلَيْهَا، فَإِن قَالَ قَائِل فهَلَاّ أُعْرِبَتْ كَمَا أُعربتْ عِنْد فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن عِنْد قد تصرَّفوا فِيهَا فأوقعوها على مَا بحضرتك وَمَا يبعد وَإِن كَانَ أَصْلهَا للحاضر فَقَالُوا عِنْدِي مالٌ وَإِن كَانَ بخراسانَ وَأَنت بِمَدِينَة السَّلَام وفلانٌ عِنْده مالٌ وَإِن لم يَعنوا بِهِ الحضرةَ وَقد كَانَ حكمُ عندَ من الْبناء حكم لَدُنْ لَوْلَا مَا لحقها من التصريف الَّذِي ذَكرْنَاهُ، ولَدُنْ لَا يتَجَاوَز بهَا حضرةُ الشيءِ فَلذَلِك بُنِيَ، فَأَما من قَالَ لَدُن ولُدُنْ ولَدَى فَهُوَ يَبْنِي آخِره على السّكُون من جِهَة الْبناء، وَأما من قَالَ لَدُ فَهُوَ مَحْذُوف النُّون من لَدُنْ، فَإِن قَالَ قَائِل فَلم زعمتم ذَلِك وهَلاّ كَانَت حرفا على حياله وَلم تكن مخفَّفة من لَدُنْ قيل لَو كَانَت غير مُخَفّفَة من لَدُنْ لكَانَتْ مَبْنِيَّة على السّكُون لَا غيرُ لحكم الْبناء الَّذِي ذَكرْنَاهُ وَمثل ذَلِك قَوْلهم رُبَّ ورُبَ مخفَّفةً ومشدَّدة لَو كَانَت المخففة كلمة على حِيالِها لكَانَتْ سَاكِنة لَا غير إِذْ كَانَت حرفا لِمَعْنى، وَمثل ذَلِك مُنْذُ ومُذْ مخفَّفةٌ مِنْهَا وَعَلِيهِ دليلان أَحدهمَا أَن من الْعَرَب من يَقُول مُذُ وَالثَّانِي تَحْرِيك الذَّال لالتقاء الساكنين بالحركة الَّتِي كَانَت فِيهَا مَعَ النُّون فِي قَوْلك منذُ، وَأما من قَالَ لَدْنِ ولُدْنِ بِكَسْر النُّون فلالتقاء الساكنين، وأمّا من سكَّن الدَّال فَإِنَّهُ بنى باقيَ الْكَلِمَة بعد الحذفِ والتَّخفيف. وَاعْلَم أنّ حكم لَدُنْ أَن تخْفض بهَا على الْإِضَافَة إِلَّا أَنهم قد قَالُوا لَدُنْ غُدْوَةَ فنصبوا بهَا فِي هَذَا الْحَرْف وَحده، فَأَما أَسمَاء الزَّمَان المضافة كَقَوْلِنَا هَذَا يومَ قَامَ زَيدٌ وعَلى حِين عاتبْت المَشيبَ على الصِّبا وغيْر فِي قَوْله: لم يَمْنَعِ الشُّرْبَ مِنْهَا غير أَن نطَقَتْ فبابٌ مطَّرِدٌ فِي حيِّزه وعلَّة بنائِهِ الْإِضَافَة إِلَى غير متمكِّن، وَجَمِيع مَا ذكرته من علل هَذِه المبنيّاتِ وشروح مَعَانِيهَا قَول أبي عَليّ الفارسيّ وَأبي سعيد السّيرافي بعد قصْد اخْتِصَار الْكَلَام وتسهيله وتقريبه من الأفهام بغاية مَا أمكنني.

وَمن المبنِيّات فَعالِ

... . أقْسامها ومعانيها والموجب لبنائها وصَرْفها وَترك ووَجْه اختلافِ التميميين

<<  <  ج: ص:  >  >>