للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنْشد أَيْضا: بُثَيْنَ الْزَمي لَا إنَّ لَا أنْ لَزِمْتِهِ على كَثْرَةِ الواشينَ أيُّ مَعْوُنِ فَقَالَ بَعضهم مَعون مَفْعُل فِي معنى مَعْوُنة وَأَصله مَعْوُنة وَقَالَ بَعضهم مَعُونٌ جمع مَعْوُنة وَلَيْسَ فِي شيءٍ من ذَلِك مَا يَمْنَع مَا قَالَه سِيبَوَيْهٍ لِأَن أصلَ الكلامِ مَكْرُمة ومَعْوُنة وَإِنَّمَا اضْطُرَّ الشاعرُ إِلَى حذفِ الهاءِ والنيةُ الهاءُ وَمثل هَذَا كثيرٌ فِي الشّعْر كَقَوْلِه: أما تَرَيْني اليَوْمَ حَمْزِ يُرِيدُونَ حَمْزَة، وَقَول الآخر: أمالِ بن حَنْظَلِ يُرِيد حَنْظَلة وَأما المَسْجِد فَإِنَّهُ اسمٌ للبيت ولسْتَ تُرِيدُ بِهِ موضعَ السُّجُود وموضعَ جبهتِك وَلَو أردْت ذَلِك لَقلت مَسْجَد ويقوِّي ذَلِك مَا رُوي عَن الْحجَّاج أَنه قَالَ ليَلْزَمْ كلُّ رجلٍ مَسْجَده أَرَادَ موضعَه من المسجِد لِأَنَّهُ لَا يكون لَهُم تجمُّع فِي الْمَسْجِد للفتن. وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ وَنَظِير ذَلِك المُكْحُلة والمِحْلَب والمِيْسَم لم ترد موضِعَ الْفِعْل وَلكنه اسمٌ لوعاء الكُحْل وَكَذَلِكَ المُدُقُّ صَار اسْما لَهُ كالجلمود وَكَذَلِكَ المقْبُرة والمَشْرُقة يُرِيدُونَ الْموضع الَّذِي تُجمَع فِيهِ الْقُبُور وَيَقَع فِيهِ التشريقُ وَلَو أَرَادوا مَوضِع الْفِعْل لقالوا مَقْبَر وَلكنه اسْم بِمَنْزِلَة المَسْجِد وَمثله المَشْرُبة: وَهِي الغرفة اسمٌ لَهَا وَكَذَلِكَ المُدْهُن والمَظْلِمة بِهَذِهِ الْمنزلَة إِنَّمَا هِيَ اسمٌ لما أُخِذ مِنْك وَلم ترد مَصْدَراً وَلَا موضعَ فِعل وَلذَلِك عادَلَ بِهِ أَبُو عَليّ الإثْمَ فِي قَوْله عز وَجل: (فإنْ عُثِرا على أنَّهما اسْتَحَقَّا إثْماً) . وَقَالُوا مَضْرِبة السيفِ جَعَلُوهُ اسْما للحديدة وَبَعض الْعَرَب يَقُول مَضْرُبة كَمَا يَقُول مَقْبُرةٌ ومَشْرُبة قَالَ فالكسر فِي مَضْرِبة كالضم فِي مَقْبُرة والمَنْخِر بِمَنْزِلَة المُدْهُن كسروا الحرفَ كَمَا ضمُّوا ثَمَّةَ. قَالَ أَبُو عَليّ وَأَبُو سعيد: ولقائلٍ أَن يَقُول إِن مَنْخِراً هُوَ من بَاب مَنْسِك لِأَنَّهُ موضعُ نَخير وَفعله نَخَرَ يَنْخُر وَمِنْهُم من يكسِر الميمَ إتْباعاً للخاءِ وَأما المَسْرُبة: وَهُوَ الشَّعَر الْمَمْدُود فِي الصَّدْر وَفِي السُّرَّة فبمنزلة المَشْرُقة لم تُرِد مَصْدَراً وَلَا موضعا للْفِعْل وَإِنَّمَا هُوَ اسْم مَخَطِّ الشَّعرِ الْمَمْدُود فِي الصَّدْر وَكَذَلِكَ المَأْثُرة والمَكْرُمة والمَأْدُبة وَقد قَالَ قوم مَعْذُرة كالمَأْدُبة وَمِنْه فنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسُرة وَقد أنكر الْأَخْفَش قراءةٍ قُرِئت: (فنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسُرِهِ) . لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَام مَفْعُل على مَا ذَكرْنَاهُ. ويجيءُ المِفْعَل اسْما كَمَا جَاءَ فِي المَسْجِد والنِكَب وَذَلِكَ المِطْبَخ والمِرْبَد وكلُّ هَذِه الْأَبْنِيَة تقع اسْما للَّتِي ذَكَرْنا من هَذِه الْفُصُول لَا لمَصْدَر وَلَا لموضعِ عملٍ.

هَذَا بَاب مَا كَانَ من هَذَا النَّحْو من بناتِ الياءِ والواوِ الَّتِي الياءُ فيهنَّ لامٌ

فالموضِعُ والمَصْدَر فِيهِ سَواءٌ لِأَنَّهُ معتلٌّ وَكَانَ الألفُ والفتحُ أخفَّ عَلَيْهِم من الكسرة مَعَ الياءِ ففرُّوا إِلَى مَفْعَل وَقد كسروا فِي نَحْو مَعْصِية ومَحْمِية. وَلَا يجيءُ مكسوراً أبدا بِغَيْر الهاءِ لِأَن الإعرابَ فِيمَا لَا هاءَ فِيهِ يَقع على الياءِ ويلحَقُه الاعتلالُ فَصَارَ هَذَا بِمَنْزِلَة الشَّقاء والشَّقاوَة تَثْبُت الواوُ مَعَ الهاءِ وتُبْدَل مَعَ ذَهابِها يُرِيد أَن الشَّقاءَ أصلُه الشَّقاو وَقَعَت الواوُ طَرَفَاً بعد ألفٍ واستُثْقِل الإعرابُ عَلَيْهَا فقُلِبت همزَة فَإِذا كَانَ بعدَها هاءٌ يَقع الإعرابُ عَلَيْهَا جَازَ أَن لَا تُقلَب كالشَّقاوة فَكَذَلِك مَعْصِية ومَحْمِية لَا يجيءُ إِلَّا بالهاءِ إِذا بَنَيْته على مَفْعِل والبابُ فِيهِ مَفْعَل مثل المَرْمى والمَقْصى وَمَا أشبه ذَلِك وبناتُ الْوَاو أَوْلَى بذلك ... . والمَدْنى. وَذكر الفرَّاء: أَنه قد جَاءَ فِي ذَلِك مأَْوى الإبلِ وَذكر غيرُه مَأْقي العينِ وَالَّذِي ذكر مَأْقي الْعين غالِطٌ عِنْدِي لِأَن الْمِيم أصلِيَّةٌ فِي قَوْلنَا مَأقٌ ومُوقٌ وأمْواق.

<<  <  ج: ص:  >  >>