للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:
رقم الحديث:

سُورة الْفرْقَان وَهِي مَكِّيَّة وَالسَّلَام فِي سُورَة النِّسَاء وَهِي مَدَنِيَّة وَلم يُؤْمَرِ الْمُسلمُونَ بِمَكَّة أَن يُسَلِّمُوا على الْمُشْركين وَإِنَّمَا هَذَا على معنى بَرَاءَة مِنْكُم وتَسَلُّماً لَا خير بَيْننَا وَبَيْنكُم وَلَا شَرَّ وَمن ذَلِك قَول أُميَّة:

(سَلَامَكَ رَبَّنَا فِي كُلِّ فِجْرٍ ... بَرِيئاً مَا تَغَنَّثُكَ الذُّمُومُ)

أَي تَبْرِئَةً لَك من السُّوء وَمعنى مَا تَغَنَّثُك الذمومُ أَي لَا يَلْصَقُ بِهِ صفةُ ذَمٍّ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَكَانَ أَبُو ربيعَة يَقُول إِذا لَقيتَ فلَانا فقُلْ سَلاما وسُئِلَ ففسَّرَ للسَّائِل معنى بَرَاءةٌ مِنْك قَالَ فكلُّ هَذَا ينْتَصب انتصاب حَمْداً وشُكراً إِلَّا أَن هَذَا يَتَصَّرفُ وَذَاكَ لَا يتَصَرَّف قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَنَظِير سُبْحَانَ من المصادرِ فِي الْبناء والمجزى لَا فِي الْمَعْنى غَفْران لِأَن بعض الْعَرَب يَقُول غُفْرَانُكَ لَا كُفْرَانَكَ يُرِيد اسْتِغْفَارًا لَا كُفْراً قَالَ فَجعله فِيمَا ل يتَمَكَّن لِأَنَّهُ لَا يسْتَعْمل على هَذَا إِلَّا مَنْصُوبًا مُضَافا وَكَذَلِكَ قَوْله عز وَجل: {وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً} [الْفرْقَان: ٢٢] أَي حَرَامًا مُحَرَّماً عَلَيْهِم الغفرانُ أَو الْجنَّة أَو نَحْو ذَلِك من التَّقْدِير على معنى حَرَّمَ اللهُ ذَلِك تَحْرِيماً أَو جعلَ اللهُ ذَلِك مُحَرَّماً عَلَيْهِم وَيَقُول الرجلُ للرجل أتفعل كَذَا وَكَذَا فَيَقُول حِجْراً أَي سِتْراً وبَراءةٌ وكل ذَلِك يَؤُل إِلَى معنى الْمَنْع كَأَنَّهُ مَأْخُوذ من الْبناء الَّذِي يحْجر فَيمْنَع من وُصُول مَا يصل إِلَى دَاخله وَمن الْعَرَب من يرفع سَلاما إِذا أَرَادَ معنى المبارأةِ كَمَا رَفَعُوا حَنَانَ قَالَ سمعنَا بعضَ الْعَرَب يَقُول لرجل لَا تَكُونَنَّ مِني فِي شيءٍ إِلَاّ سَلَامٌ بِسَلَامٍ أَي أَمْري وأَمْرُكَ المُسَالَمَةُ وَتَرَكُوا لفظَ مَا يرفع كَمَا تركُوا فِيهِ لفظَ مَا ينصب قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما سُبُوحاً قَدُّوساً رَبَّ الْمَلَائِكَة والرُّوح فعلى شَيْء يَخْطُرُ على باله أَو يَذْكُرُه ذاكِرٌ فَقَالَ سُبُّوحاً - أَي ذكرت سُبُوحاً كَمَا تَقول أهلَ ذاكَ إِذا سمعتَ رَجُلاً يذكر رَجُلاً بثناءٍ أَو بِذَمِّ كَأَنَّك قلتَ ذكرتَ أهْلَ ذَاكَ أَو اذْكُرْ أَهْلَ ذَاكَ وَنَحْو هَذَا مِمَّا يَلِيق بِهِ وخَزَلُوا الفعلَ الناصبَ لِسُبْحَانَ لِأَن المصدَرَ صَار بَدَلا مِنْهُ وَمن الْعَرَب من يَرْفَعُ فَيَقُول سُبُوحٌ قُدُّوسٌ على إِضْمَار وَهُوَ سُبُوح وَنَحْو ذَلِك مِمَّا مضى قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَمِمَّا ينْتَصب فِيهِ المصدرُ على إِضْمَار الْفِعْل المتروكِ إظهارُه وَلكنه فِي معنى التَّعَدِّي قولُكَ كَرَماً وصَلَفاً كَأَنَّهُ يَقُول أَكْرَمَكَ اللهُ وأدامَ اللهُ لَك كَرَماً وأَلْزَمَتْ صَلَفاً وَفِيه معنى التَّعَجُّب فَيصير بَدَلا من قَوْلك أَكْرِمَ بِهِ وأَصْلِفْ بِهِ قَالَ أَبُو مُرْهِب: كَرَماً وطُولَ أَنْفِ أَي أَكْرِم بِكَ وأَطْوِلْ بِأَنْفِكَ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ التعجبَ وأَضْمَرَ الفعلَ الناصبَ كَمَا انْتَصَبَ مَرْحَباً بِمَا ذُكِرَ قبلُ

وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وعَلى آله وَسلم تَسْلِيمًا آخر اشتقاق أَسْمَائِهِ عز وَجل وبتمامه تمّ جَمِيع الدِّيوَان

<<  <  ج: ص: