للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أصل اتَّقى فَقَالُوا يَتَقي مخفَّفاً عَن يتَّقي وَقد مضى ذَلِك، وَأما فَعُل فَإِنَّهُ لَا يُضَمُّ مِنْهُ مَا كُسر من فَعِل لِأَن الضمَّ أثقل عِنْدهم فكرهوا الضَّمَّتين وَلم يخَافُوا التباس مَعْنيين فعمدوا إِلَى الأخفِّ يُرِيد أَنهم لم يَقُولُوا فِي مُسْتَقْبل فَعُل يُفْعُل على مَا توجبه ضمَّة الْمَاضِي كَمَا كسروا أوّل مُسْتَقْبل فَعِل حِين قَالُوا تِعْلَم لِأَن الكسرة مَعَ الْفَتْح أخف عَلَيْهِم من اجْتِمَاع ضمَّتين وَلم يكن بهم حَاجَة إِلَى تحمُّل ثقل الضمَّتين لِأَن الْمَعْنى لَا يتغيَّر فَتكون إبانة الْمَعْنى دَاعِيَة لَهُم إِلَى تحمل الثّقل فَهَذَا معنى قَوْله وَلم يخَافُوا التباساً فعَمَدوا إِلَى الأخف. قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَلم يُرِيدُوا تفريقاً بَين مَعْنيين كَمَا أردْت ذَلِك فِي فَعِلَ يُرِيد بذلك أَن فِي فَعِلَ حِين قَالُوا تِفْعَل فِي مستقبله فرقوا بِهَذِهِ الكسرة بَين مَا كَانَ ماضيه على فَعِلَ وَمَا كَانَ ماضيه على فَعَلَ فَقَالُوا تِعْلَم وَلم يَقُولُوا تِذْهَب وَجعله سِيبَوَيْهٍ مَعْنيين وَإِن لم يكن من الْمعَانِي الَّتِي تغير مَقَاصِد الْقَائِلين فِيمَا عَبَّروا عَنهُ وَإِنَّمَا هُوَ حِكْمَة فِي إتباع اللَّفْظ وكلُّ عَقْدٍ فِي هَذَا الْبَاب لسيبويه وكلُّ تَحْلِيل فلأبي بكر بن السَّرِيِّ وَأبي عَليّ وَأبي سعيد.

هَذَا بَاب مَا يُسَكَّن اسْتِخْفَافًا وَهُوَ فِي الأَصْل عِنْدهم متحرك

وَذَلِكَ قَوْلهم فِي فَخِذ فَخْذ وَفِي كَبِد كَبْد وَفِي عَضُد عَضْد وَفِي الرجُل رَجْل وَفِي كَرَمَ الرجلُ كَرْمَ وَفِي عَلمِ عَلْم وَهِي لُغَة بكر بن وَائِل وأناس كثير من بني تَمِيم وَقَالُوا فِي مَثَل: لم يُحْرَم مَنْ فُصْدَ لَهُ. يَعْنِي فَصْدَ الْبَعِير للضَّيْف وفَصْدُه للضيف أَنهم كَانُوا عِنْد عَوَز الطَّعَام يَفْصِدون البعيرَ ليشربَ الضيفُ من دمِه فيَسُدّ جوعَه وَقَالَ أَبُو النَّجْم: لَو عُصْرَ مِنْهُ البانُ والمِسْكُ انْعَصَرْ يُرِيد عُصر وَأَبُو النَّجْم من بكر بن وَائِل وَهَذِه اللُّغَة أَيْضا كَثِيرَة فِي تغلب وَهُوَ أَخُو بكر بن وَائِل وَقَالَ أَيْضا: ونُفْخُوا فِي مَدائِنِهم فَطاروا وَإِنَّمَا حملهمْ على هَذَا أَنهم كَرهُوا أَن يرفعوا ألسنتهم عَن المفتوح إِلَى المكسور والمفتوحُ أخفُّ عَلَيْهِم فكرهوا أَن يَنْتَقِلُوا من الأخف إِلَى الأثقل وكرِهوا فِي عُصِرَ الكسرة بعد الضمة كَمَا يكْرهُونَ الْوَاو مَعَ الْيَاء فِي مَوَاضِع وَمَعَ هَذَا أَنه بِنَاء لَيْسَ من كَلَامهم إِلَّا فِي هَذَا الْموضع من الْفِعْل فكرهوا أَن يحوّلوا ألسنتهم إِلَى الاستثقال يُرِيد أَنه لَيْسَ من كَلَامهم فُعِلَ إِلَّا فِيمَا لم يُسَمَّ فاعلُه من الثُّلاثي وَإِذا تَتَابَعَت الضمتان خففوا أَيْضا وكرِهوا ذَلِك كَمَا يكْرهُونَ الواوين وَإِنَّمَا الضمتان من الواوين وَذَلِكَ قَول الرُّسْل والطُّنْب والعُنْق وَكَذَلِكَ الكسرتان تكرهان كَمَا تكره الياآن وَذَلِكَ قَوْلك فِي إبِل إبْل، قَالَ الشَّاعِر: ألْبانُ إبْلٍ تَعِلَّةَ بنِ مُساوِرٍ مَا دامَ يمْلِكُها عليَّ حَرامُ فَأَما مَا توالت فِيهِ الفتحتان فَإِنَّهُم لَا يسكنون مِنْهُ لِأَن الْفَتْح أخف عَلَيْهِم من الضَّم وَالْكَسْر كَمَا أَن الْألف أخف عَلَيْهِم من الْوَاو وَالْيَاء وَذَلِكَ نَحْو جَمَل وحَمَل وَنَحْوه وَمِمَّا أشبه الأول مِمَّا لَيْسَ على ثَلَاثَة أحرف قَوْلهم: أراكَ مُنْتَفْخاً عَلَيَّ. بتسكين الْفَاء سُكِّن لِأَن قَوْلنَا تَفِخاً من مُنْتَفِخاً كَقَوْلِنَا فَخِذَ وكَبِدَ فأسكن كَمَا أسكن الْخَاء من فَخذ وَمن ذَلِك قَوْلهم انْطَلْقَ يَا هَذَا بتسكين اللَّام وَفتح الْقَاف وَكَانَ الأَصْل انْطَلِق اللامُ مَكْسُورَة وَالْقَاف سَاكِنة فسكنت اللَّام للكسرة فَاجْتمع ساكنان اللَّام وَالْقَاف فحرَّكوا الْقَاف وفتَحوه كَمَا قَالُوا أَيْنَ وفتحوا

<<  <  ج: ص:  >  >>