للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(وتشرَقُ بالقَوْلِ الَّذِي قد أَذَعْتَهُ ... كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ القناةِ من الدمِ)

كَأَنَّهُ قَالَ شَرَقَتِ القَنَاةُ لِأَنَّهُ يجوز أَن تَقول شَرِقَتِ القناةُ وَإِن كَانَ شَرِقَ صَدْرُها وَمثل ذَلِك قَول جرير:

(إِذا بعضُ السنينَ تَعَرَّقَتْنَا ... كفَى الأَيْتامَ فَقْدُ أبي اليَتِيم)

فَأَنت تعَرَّقَتْنَا والفعلُ للْبَعْض إِذْ كَانَ يَصح أَن يقولَ إِذا السِّنُونَ تَعَرَّقَتْنَا وَهُوَ يُرِيد بعض السنين وَقَالَ جرير أَيْضا:

(لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَواضعتْ ... سُورُ المدينةِ والجبالُ الخُشَّع)

فأنَّث تواضعتْ والفعلُ للسُّور لِأَنَّهُ لَو قَالَ تواضعت المدينةُ لصَحَّ الْمَعْنى الَّذِي أَرَادَهُ بِذكر السُّور وَأَبُو عُبَيْدَة مَعْمَرُ بن المُثَنَّى يقولُ: إِن السُّورَ جمع سُورةٍ وَهِي كلُّ مَا علا وَبهَا سُمِّيَ سُورُ القرآنِ سُوراً فَزعم أَن تَأْنِيث تواضعت لِأَن السُّورَ مؤنث إِذْ كَانَ جمعا لَيْسَ بَينه وَبَين واحده إِلَّا الْهَاء وَإِذا كَانَ الْجمع كَذَلِك جَازَ تأنيثه وتذكيره قَالَ الله تَعَالَى: {كأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [الْقَمَر: ٢٠] فَذَكَّرَ وقالك {والنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} [ق: ١٠] قأنث وَأما قَوْله والجبالُ الخُشَّعُ فَمن النَّاس من يرفع الجبالَ بِالِابْتِدَاءِ وَيجْعَل الخُشَّع خَبرا كانه قَالَ: والجبالُ خُشَّعٌ وَلم يرفعها بتواضعت لِأَنَّهُ إِذا رَفعهَا بتواضعت ذهب معنى الْمَدْح لِأَن الخُشَّع هِيَ المتضائلة وَإِذا قَالَ تواضعتْ الجبالُ المُتَضَائِلةُ لمَوْته لم يكن ذَلِك طريقَ الْمَدْح إِنَّمَا حكمُه أَن يَقُول تواضعت الْجبَال الشوامخ وَقَالَ بَعضهم: الْجبَال مرتفة بتواضعت والخُشَّع نعتٌ لَهَا وَلم يُرِدْ أَنَّهَا كَانَت خُشَّعاً من قبلُ وَإِنَّمَا هِيَ خُشَّعٌ لمَوْته فَكَأَنَّهُ قَالَ تواضعت الجبالُ الخُشَّعُ لمَوْته كَمَا قَالَ رؤبة:

(والسَّبُّ تَخْرِيقُ الأَدِيمِ الأَخْلَقِ ... )

وَقَالَ ذُو الرمة أَيْضا:

(مَشَيْنَ كَمَا اهْتَزَّتْ رِماحٌ تَسَفَّهَتْ ... أَعَالِيها مَرُّ الرِّياحِ النَّواسِمِ)

فأنث والفعلُ للمَرّ لِأَنَّهُ لَو قَالَ تَسَفَّهَتْ أعاليها الرياحُ لجَاز وَقَالَ العجاج:

(طُولُ اللَّيَالِي أَسْرَعَتْ فِي نَقْضِي ... )

وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ وَسَمعنَا من الْعَرَب من يَقُول مِمَّن يوثق بِهِ: اجْتمعت أهلُ الْيَمَامَة لِأَنَّهُ يَقُول فِي كَلَامه اجْتمعت الْيَمَامَة وَجعله للفظ الْيَمَامَة فترَك اللفظَ على مَا يكون عَلَيْهِ فِي سَعَةِ الْكَلَام يَعْنِي ترك لفظ التَّأْنِيث فِي قَوْلك اجْتمعت أهل الْيَمَامَة على قَوْلك اجتمعتِ اليمامةُ لما قدَّمنا وَقَالَ الْفراء: لَو كَنَيْتَ عَن الْمُؤَنَّث فِي هَذَا الْبَاب لم يجز تأنيثُ فِعْلِ الْمُذكر الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ فَلَو قلتَ: إِن الرياحَ آذَتْنِي هُبُوبُها لم يجز أَن تؤنث آذَتْنِي إِذا جعلتَ الْفِعْل للهُبُوبِ وَاحْتج بِأَنا إِذا قُلْنَا آذتني هُبوبُ الرِّيَاح فَكَأَنَّمَا قُلْنَا آذتني الرِّيَاح وَجَعَلنَا الهُبوبَ لَغْواً وَإِذا قلتَ آذَتْنِي هُبوُبُها لم يَصْلُح أَن تَجْعَلَ الهُبُوبَ لَغْواً لِأَن الْكِنَايَة لَا تقومُ بِنَفسِهَا فتجعل الهبوب لَغوا وَالصَّحِيح عندنَا جوازُه وَذَلِكَ أَن التَّأْنِيث الَّذِي ذَكرْنَاهُ فَإِنَّمَا ذَكرْنَاهُ لأنْ تَجُوزَ العبارةُ عَنهُ بِلَفْظ الْمُؤَنَّث الْمُضَاف إِلَيْهِ لَا لِأَنَّهُ لَغْوٌ وَقد تَجُوزُ العبارةُ بِلَفْظ الْمُؤَنَّث عَن ذَلِك الْمُذكر وَإِن كَانَ لفظُها مَكْنِيًّا أَلا ترى أَنا نقُول إنّ الرِّيَاح آذَتْنِي وَإِن أصابعي ذهبتْ وَأَنا أُرِيد البعضَ والهُبُوبَ

١ - هَذَا بَاب جمع الِاسْم الَّذِي آخِره هَاء التَّأْنِيث

اعْلَم أَن لَا خلاف بَين النَّحْوِيين أَن الرجل إِذا سمي باسم فِي آخِره هَاء التَّأْنِيث ثمَّ أردْت جَمْعَهُ جمعتَه

<<  <  ج: ص:  >  >>