للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ فَأَما مَا أنْشدهُ بعض البغداديين وَنسبه إِلَى الفرزدق:

(يَا أَيُّها الجَالِسُ وَسْطَ الحَلَقَة ... أَفِي زِنًى أُخِذْتَ أَم فِي سَرِقه)

فَإِنَّهُ مَصْنُوع وَلَو صَحَّ لقلنا إِن الحَلَقَة هُنَا جمعُ حالِقٍ الكَمْءُ واحدٌ وَهُوَ مُذَكّر وَالْجمع كَمْأَةٌ وَهُوَ اسْم للْجمع وَقد أَنْعَمْتُ شرح هَذَا وَوَقَفْتُكَ على حَقِيقَته وأَرَيْتُكَ وَجْهَ الاختلافِ فِيهِ فِي أوَّلِ هَذَا الضَّرْبِ فَأَما الجَبْأَةُ فتأنيثُه طاهرٌ والفَقْعُ مُذَكّر والهَامُ مُؤَنّثَة لم يُؤَثَر على الْعَرَب فِيهَا تذكير قَالَ أَبُو عَلَيْك الْجمع كُلُّهُ مؤنث إِلَّا مَا كَانَ اسمَ جَمع كالحَلَقِ والفَلَكِ أَو جِنْسا كالخَزِّ والحَرِيرِ والوَشْيِ فَأَما القُطْنُ والقُطُنُّ والصُّوفُ فيذكر وَيُؤَنث لِأَن واحدته قُطْنةٌ وقُطُنَّةٌ وصُوفة قَالَ: وَكَذَلِكَ الشَّامُ جمعُ شامَةٍ والسَّاعُ جمعُ ساعةٍ والرَّاح جمعُ راحةٍ والرَّايُ جمعُ رَايَةٍ قَالَ وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ:

(وَخَطَرَتْ أَيْدِي الكُماةِ وَخطَرْ ... رَايٌ إِذا أَوْرَدَهُ الطَّعْنُ صَدَرْ)

وَكَذَلِكَ اللَاّبُ جَمْعُ لابَةٍ وَهِي الحَرَّةُ وَكَذَلِكَ اللُّوبُ والسُّوسُ والدُّودُ والطِّينُ والتِّين واللِّيفُ لِأَن وَاحِد ذَلِك كُله بِالْهَاءِ فَهُوَ يذكر وَيُؤَنث قَالَ: وَهَكَذَا وَجَدْناَهُ فِي أشعارهم تَارَة مذكراً وَتارَة مؤنثاً وَأما مَا بهَا أَحَدٌ وَلَا عَرِيبٌ وَلَا كَتِيعٌ وأخواتُه فكله للْوَاحِد والجميع والمؤنث بِلَفْظ وَاحِد وَقد أَبَنْتُ كَقَوْلِك أفضل مِنْك أَو ناقصٌ مَحْذُوف كَقَوْلِك خَيْرٌ مِنْك وشَرٌ مِنْك وبابُ حَسْبُكَ وَأَخَوَاتهَا فكله للْجَمِيع وَالْوَاحد والمؤنث بِلَفْظ وَاحِد وبابُ مِثْلِك وَأَخَوَاتهَا وأفْعلُ تُحْمَلُ مَرَّةٌ على اللَّفْظ وَمرَّة على الْمَعْنى وَكَذَلِكَ غَيْرك

١ - بَاب مَا يحمل مرّة على اللَّفْظ وَمرَّة على الْمَعْنى مُفردا أَو مُضَافا فَيجْرِي فِيهِ التَّذْكِير والتأنيث بِحَسب ذَلِك

فَمن الْمُفْرد مَنْ وَمَا وأَيٌ وكُلُّ وكِلْتَا وبعْضٌ وَغير ومِثْلٌ وَأَنا آخِذ فِي شرح ذَلِك كُله وبادئ بالمفرد ومُتْبِعُه بالمضاف، اعْلَم ان مَنْ وَمَا لَهما لَفْظٌ ومَعْنًى فالألفاظُ الْجَارِيَة عَلَيْهِمَا تكون مَحْمُولَة على لَفْظهمَا ومعناهما فَإِذا جرت على لَفْظهمَا كَانَ مذكراً موحَّداً كَقَوْلِك مَنْ قَامَ سَوَاء أردتَ وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ أَو جمَاعَة من مُذَكّر ومؤنث وَكَذَلِكَ مَا أصابَكَ سَوَاء أردتَ بِهِ شَيْئا أَو شَيْئَيْنِ من مُذَكّر ومؤنث وَيجوز أَن تَحْمِلَ الْكَلَام على مَعْنَاهُمَا فتقولَ من قامتْ إِذا أردْت مونثاً وفيكُمْ مَنْ يَخْتَصِمَانِ ومَنْ يَخْتَصِمُونَ قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وتَعْمَلَ صَالِحاً} [الْأَحْزَاب: ٣١] فذكَّر وأنَّث وَلَو ذَكَّرَهما على اللَّفْظ أَو أَنَّثَهَما على الْمَعْنى جَازَ وبعضُ الْكُوفِيّين يَزْعَمُ أَنه لَا يجوز تذكير الانث لِأَنَّهُ قد ظَهَرَ تأنيثُ الْمَعْنى بقوله مِنْكُنَّ وَهَذَا غَلَطٌ لأَنا إِنَّمَا نَرُدُّهُ إِلَى لفظ مَنْ وَقَالَ الله تَعَالَى فِي جمع من على الْمَعْنى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} [يُونُس: ٤٢] وعَلى اللَّفْظ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} [الْأَنْعَام: ٢٥] قَالَ الفرزدق فِي التَّثْنِيَة على الْمَعْنى:

(تَعَشَّ فإنْ عَاهَدْتَنِي لَا تَخُونُنِي ... تَكُنْ مِثْلَ مَنْ ذِئْبُ يَصْطَحِبَانِ)

وَكَذَلِكَ هَذَا الحكم فِي مَا تَقول مَا نُتِجَ من نُوقِكَ على اللَّفْظ وَمَا نُتِجَتَا على معنى التَّثْنِيَة وَمَا نُتِجَتْ على معنى الْجمع وَأما قَول الْعَرَب مَا جاءتْ حاجَتَكَ فَإِن جاءتْ فِيهِ بِمَعْنى صَارَت وَلَا يكون جَاءَ بِمَنْزِلَة صَار إِلَّا فِي هَذَا الْموضع وَهُوَ من الشاذ كَمَا أَن عَسَى لَا تكون بِمَعْنى كانَ إِلَّا فِي قَوْله:

<<  <  ج: ص:  >  >>