للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والعَمَايَةُ السحابُ الَّذِي قد هَرَاقَ ماءَهُ وَلم يَتَقَطَّع تَقطُّعَ الجُفَالِ وَقد تقدَّم أَنه السحابُ الكَثِيفُ وَأَنه الْمُرْتَفع وَأَنه الأَسْوَدُ مِنْهُ

٣ - (ذكر هُبوب الأَرواح للسحاب)

أَبُو حنيفَة جَنَبَتِ الجَنُوبُ السحابَ تَجْنُبُهُ وشَمَلَتْهُ الشَّمَالُ تَشْمُلُه شَمْلاً وشُمُولاً وصَبَتْهُ الصَّبا تَصْبُوه صَباً وصُبُوّاً ودَبَرَتْهُ الدَّبُورُ تَدْبُرُ دَبْراً وَكَذَلِكَ هَذَا فِي غير السحابِ من كُلِّ مَا تُصِيبُه الريحُ

٣ - (أماراتُ الغَيْثِ)

أَبُو حنيفَة من أماراتِ الغيثِ الهالَةُ الَّتِي تكون حَوْلَ الْقَمَر فَإِن كانتْ كثيفةً مُظْلِمَةً كانتْ من دلائِلِ المطرِ وَلَا سِيَّما إِن كَانَت مُضَاعَفَةً وَمن دَلائِلِهِ النَّدْأَة والنُّدْأَةُ وَهِي الحُمْرَة الَّتِي تكونُ عِنْد مَغْرِبِ الشَّمْس أيامَ الغُيُوثِ وَبهَا جاءتْ أشعارُ الْعَرَب قَالَ الشَّاعِر يصف سحاباً

(لَمَّا اكْفَهَرَّ شُرَيْقِيَّ اللِّوَى وأَوَى ... إِلَى تَوَالِيهِ من سُفَّارِهِ رُفَقُ)

(تَرَبَّصَ الليلَ حَتَّى قَالَ شَائِمُهُ ... على الرُّوَيْشِدِ أَو حَرْجَائِهِ يَدِقُ)

(حَتَّى إِذا المَنْظَرُ الغَرْبِيُّ حَارَ دَماً ... مِنْ حُمْرَةِ الشَّمْسِ لما اغْتَالَهَا الأُفُق)

(أَلْقَى على ذاتِ أحْفَارٍ كَلَا كِلَّهُ ... وشَبَّ نِيرَانَهُ وانْجَابَ يَأْتَلِقُ)

(نَارا يُراجِعُ مِنْهَا العُودُ جِدَّتَهُ ... والنارُ تَسْفَعَ عِيداناً فتَحْتَرِقُ)

فَأَما الحُمْرَةُ الَّتِي تكون عِنْد طُلُوع الشَّمْس فَإنَّا لم نسْمع بهَا فِي كَلَامهم إِلَّا فِي الجُدُوب وَقَالَ بَعضهم الحُمْرة الَّتِي تَعْرِضُ فِي الأّفُق عِنْد طُلُوع الشَّمْس أَيْضا نُدْأَةٌ وَهِي عِنْد الْعَجم أَيْضا من أَمَارَات الْمَطَر إِذا كَانَ ذَلِك فِي أَيَّام الغُُيُوثِ وَلم يكن فِي الأَزَمَاتِ لِأَن الأَزَمَاتِ تَحْمَرُّ فِيهَا الآفاقُ شَرْقِيُّها وغَرْبِيُّها وَلذَلِك قَالَ الشَّاعِر

(إِذا أمْسَتْ الآفاقُ حُمْراً جُنُوبُها ... لِشَيْبَانَ أَو مِلْحَانَ واليومُ أَشْيَبُ)

(وَوَحْوَحَ فِي حِضْنِ الفَتَاةِ ضَجِيعُهَا ... وَلم يَكُ فِي النُّكْدِ المَقَاليتِ مِشْخَبُ)

وشَيْبان ومِلْحانُ شَهْرا الشِّتَاء الباردان فَهَذِهِ الحُمْرة لَيست النُّدْأَةَ النُّدْأَةُ تكون فِي أَيَّام الغُيوث والدَّلالةِ على الْغَيْث فِيهَا لَا فِي هَذِه تَعْرِض فِي إمْحال الزَّمَان وَقد زَعَمُوا أَن بَنات مَخْرٍ إِذا رُئِينَ فِي أولِ الشِّتَاءِ كَانَ ذَلِك العامُ خَلِيقاً للمطر وَهُوَ النَّشْءُ تَراهُ من قِبَل المَشْرِقِ قَالَ من دَلَائِل الغَيْثِ أَن تَتَقدَّمَهُ المُبَشِّراتُ بهُبُوبِهَا فَيَطُولُ هُبُوبُها ثمَّ يكون النَّشْءُ من قِبَل عَيْنِ السَّمَاء فَيَحْسُن خُرُوجُه والْتِئَامُهُ واسْتِكْنَافُه حَتَّى لَا تَرض فَتْقاً وَذَلِكَ التَّطَخْطُخُ وَيَسُد الْآفَاق ثمَّ يَكْفَهِرّ ويَرْجَحِنّ فَيَتَدَانَى ويَسْتَأْرِضُ وتَتَمَكَّنُ رَحاه وتَنُوس هَيَادِبُهُ وتَهَبَّى أكِفَّتُه ويَتَعَلَّقُ رَبابُه وتَثَدَجَّى غَفَائِرُهُ ويَحْمَوْمِي ثمَّ يَصْجارُّ ويَزُجُّ الرَّعْدُ زَجّاً ويُتْئِمُ البَرْقُ إتْئَاماً وَهُوَ الوَلِيفُ من البَرْقِ ويَيْقُلُ وَلَا تَزْدَهِيه الرِّيحُ وتَتَذَأبُ لَهُ بِلَا خَرْقٍ حَتَّى يَتَحَيَّر وَأَن يَلِينَ رَعْدُهُ وَبرْقُه وتَتَعاون عَلَيْهِ الجَنُوبُ والصَّبا بالإِلْقاحِ والإِبْسَاسِ ثمَّ تَنَتَجِفَهُ الشَّمالُ حَتَّى تَسْتَقْصِي مَا فِيهِ فَهَذَا أفْضَلُ مَا جاءتْ بِهِ أشعارهم وَرُوِيَ أَن شَيخا من الْعَرَب رأى السَّمَاء تَرَهْيَأُ فَقَالَ لابْنَتِهِ انْظُرِي هِيَ تُحِسِّينَ من المَطَرِ حِسّاً فَخرجت ثمَّ نظرت فقالَتْ

(أَنَاخَ بِذِي بَقَرٍ بَرْكَهُ ... كأَنَّ على عَضُدَيْهِ كِتافاً)

<<  <  ج: ص:  >  >>