قُل إنَّ اللهَ قادرٌ على أَن يُنَزِّل آيَة) . فَهَذَا لغير التكثير لِأَن آيَة وَاحِدَة لَا يَقع فِيهَا تَكْثِير الْإِنْزَال وَكَانَ أَبُو عَمْرو يخْتَار التَّخْفِيف فِي كل مَوضِع لَيْسَ فِيهِ دلَالَة من الحضِّ على التثقيل إِلَّا فِي موضِعين أَحدهمَا قَوْله عز وَجل: (وإنْ منْ شيءٍ إلاّ خَزائِنُه وَمَا نُنَزِّلُهُ إلاّ بقدرٍ مَعْلُوم) . اخْتَار التثقيل فِي هَذَا لِأَنَّهُ تَنْزِيل بعد تَنْزِيل فَصَارَ من بَاب التكثيرِ والموضِعُ الآخر: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عليهِ آيةٌ من ربِّه قل إنَّ اللهَ قادرٌ على أَن يُنَزِّل آيَة) . فَاخْتَارَ التَّشْدِيد فِي يُنَزِّل حَتَّى يشاكل نُزِّل لِأَن الْمَعْنى واحدٌ فَالْأول الَّذِي فِي الحِجْر للتكثير وَهَذَا للمُطابقة وَلَيْسَ للمطابقة تكثيرٌ وَقد يجوز أَن يكونَ بيِّنَ فِي معنى أبانَ وَيجوز أَن يكونَ للتكثير.
هَذَا بَاب دُخُول فَعَّلت على فَعَلْت لَا يَشْرَكُه فِي ذَلِك أَفْعَلت
تَقول كَسَرْته وقَطَعْته فَإِذا أردْت كَثْرَةَ العمَل قلت كَسَّرته وقَطَّعته ومزَّقته وَإِنَّمَا يدُلُّك على ذَلِك قَوْلهم عَلَّطْت الإبلَ وإبلٌ مُعَلَّطَة وبَعيرٌ مَعْلوط وَلَا يُقَال مُعَلَّط لأنَّ الإبلَ كثير فقد تَكَرَّر فِيهِ العِلاط وعَلى هَذَا شاةٌ مذبوحٌ وغنم مُذَبَّحَة وبابٌ مُغْلَق وأبوابٌ مُغَلَّقة وجَرَحْت الرجلَ: إِذا جَرَحْته مرَّة أَو أَكثر وجَرَّحته: إِذا أَكْثَرت الجِراحاتِ فِي جسدِه وَقَالُوا ظلَّ يُفَرِّسُها السَّبُع ويُؤَكِّلُها: إِذا أَكثر ذَلِك فِيهَا وَقَالُوا موَّتَت وقَوَّمَت: إِذا أردْت جماعةَ الإبلِ أَنَّهَا مَاتَت وَقَامَت وَقَالُوا وَلَدَت الشاةُ ووَلَّدَّت الغنمُ لِأَنَّهَا كثيرةٌ وَقَالُوا يُجَوِّل ويُطَوِّف: يُكْثِر الجَوَلان والطَّواف. وَاعْلَم أَن التَّخْفِيف فِي هَذَا كلِّه جائزٌ عربيٌّ إِلَّا أَن فَعَّلْت إدخالُها هُنَا أجودُ ليبَيِّنَ الكثيرَ وَقد يدْخل فِي هَذَا التخفيفُ كَمَا أَن الرِّكْبَة والجِلْسَة قد يكون مَعْنَاهُمَا فِي الرُّكوب والجُلوس وَلَكِن بيَّنوا بهَا الضربَ فَصَارَ بِنَاء خَاصّا لَهُ كَمَا أَن هَذَا بناءٌ خاصٌّ للتكثير أَعنِي أَن التخفيفَ قد يجوزُ أَن يُراد بِهِ القليلُ والكثيرُ فَإِذا شَدَّدْتَ دَلَلت بِهِ على الْكثير وَقد مضى هَذَا كَمَا أَن الرُّكوبَ وَالْجُلُوس قد يَقع لقَلِيل الفعلِ وكثيرِه وَلِجَمِيعِ صُنوفه فَإِذا قلت الرِّكْبة والجِلْسة دلَّ على هَيئته وحالِه وَإِذا قلت الرَّكْبة والجَلْسة دلَّ على مرَّةٍ واحدةٍ وَالْجُلُوس قد يجوز أَن يُرَاد بِهِ المرَّة وَقد يجوز أَن يُراد بِهِ الْمصدر الَّذِي تقع عَلَيْهِ الجِلْسة فَصَارَ اختصاصُ الجِلْسة بشيءٍ خاصٍّ كاختصاص يُطَوِّف ويُجَوِّل بشيءٍ خاصٍّ وَصَارَ الرُّكوب وَالْجُلُوس بِمَنْزِلَة يَجول ويَطوف فِي أَنه يصْلُح للأمرين. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وكما أَن الصَّرْف والرِّيح قد يكون فِيهِ معنى صَرْفَة ورائِحة يُرِيد أَنَّك إِذا قلت صَرَفْته صَرْفَاً فقد يجوز أَن تُرِيدُ بِهِ المرةَ وَهِي الصَّرْفة وَإِذا قلت شَمِمْت ريحًا فَيجوز أَن تُرِيدُ بِهِ معنى الرَّائحة كَأَنَّهُ جعل الرائحةَ للواحدةِ والرِّيحَ للْجِنْس وَهَذَا فِي أَكثر الِاسْتِعْمَال، قَالَ الله عز وَجل: (ولسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهرٌ ورَوَاحُها شَهْرٌ) . فَعبر عَنْهَا بالرِّيح وَهُوَ الْكثير وَأما الرائحةُ فَأكْثر مَا يُستعمَل مِمَّا يفوح فِي دُفْعَةٍ وَاحِدَة، ثمَّ أنْشد: مَا زِلتُ أَفْتَحُ أبواباً وأُغْلِقُها ثمَّ قَالَ وفَتَّحت فِي هَذَا أحسنُ كَمَا أَن القِعْدة فِي ذَلِك أحسنُ لِأَن اللفظَ الخاصَّ الموضوعَ لِمَعْنى أَكْشَفُ لذَلِك الْمَعْنى من أَن تأتيَ بمُبْهَم وَقد قَالَ الله عز وَجل: (جناتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُم الأبوابُ) . وَقَالَ: (وفَجَّرْنا الأرضَ عُيوناً) . فَهَذَا وَجه فَعَلْت وفَعَّلِْت مبَيَّناً فِي هَذِه الْأَبْوَاب وَهَكَذَا صفتُه وَهَذَا الْبَاب جُمهوره أَو عامَّته تحليلُ أبي عَليّ وَأبي سعيد. ثمَّ نذكرُ بناءَ مَا طاوَع: فَالَّذِي يكون فِعْلُه على فَعَلَ يكون على انْفَعَل وافْتَعل وَالْبَاب فِيهِ انْفَعل وافْتَعَل قليلٌ تَقول كَسَرْته فانْكَسَر وحَطَمْته فانْحَطم وحَسَرْته فانْحَسر ودَفَعْته فانْدَفع وَمعنى قَوْلنَا مُطاوَعة أَن المفعولَ بِهِ لم يمْتَنع ممَّا رامه الفاعلُ أَلا ترى أَنَّك تَقول فِيمَا امْتنع مِمَّا رمتَه دَفَعْته فَلم يَنْدَفِع وكَسَرْته فَلم يَنْكَسِر أَي أَوْرَدْتَ أسبابَ الْكسر عَلَيْهِ فَلم تُؤَثِّر وَتقول شَوَيْته فانْشَوى وَبَعْضهمْ فاشْتَوى بِمَعْنى انشَوى وَقد يُقَال اشْتَوَيْته فِي معنى شَوَيْته: أَي اتَّخْذته مَشْوِياًً وَكَذَلِكَ اطَّبَخْت فِي معنى طَبَخْت: أَي اتَّخذت طَبيخاً وَتقول غَمَمْته فاغْتم وانْغَمِّ عربيَّةٌ وصَرَفْته فانْصَرف. وَأما أَفْعَلت الشيءَ فمطاوعه هُوَ الفِعل الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ أَفْعَلت كَقَوْلِك أَدْخَلته فدَخَل وأَخْرَجته فخَرَج غير أَن الأَصْل دَخَلَ وقولك أَدْخَلته أَي صيَّرته
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute