للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإَّنه أَرَادَ: أستغفِرُ اللهَ من ذنبٍ وَهَذَا هُوَ الْقسم الثَّانِي وَقَالَ عَمْرو بنُ معدي كَرِبَ: أَمَرْتُكَ الخَيْرَ فافْعَلْ مَا أُمِرْت بِهِ فقد تَرَكْتُكَ ذَا مالٍ وَذَا نَشَبِ فَالْمَعْنى أَمرتك بِالْخَيرِ وَهُوَ أَيْضا من الْقسم الثَّانِي، قَالَ أَبُو عَليّ: قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَإِنَّمَا فَصَلَ هَذَا أَنَّهَا أفعالٌ توصَل بحروف الْإِضَافَة فَتَقول اخترتُه من الرِّجال وسمَّيته بفلان كَمَا تَقول عرَّفته بِهَذِهِ العَلامةِ وأوْضَحته بهَا وأستَغْفِر اللهَ من ذَلِك فَلَمَّا حَذَفوا حَرْفَ الجرِّ عمِلَ الفعلُ يَعْنِي هَذِه الأفعالَ الَّتِي تتعدّى إِلَى مفعولَيْن ممّا كَانَ فِي الأَصْل متعدّياً إِلَى واحدٍ بِغَيْر حرف جرٍّ وَإِلَى الثَّانِي بِحرف جرِّ مِمَّا جَعَلْنَاهُ القسمَ الثَّانِي وَجَعَلنَا أحد المفعولين غيرَ فَاعل بالآخرِ فِي الأَصْل وَإِنَّمَا فَصَلَه من الْقسم الأول اختلافُ مَعْنَاهُمَا فِي الأَصْل فَأَما قَوْله سمَّيته بفلانٍ كَمَا تَقول عرَّفته بِهَذِهِ الْعَلامَة فَإِن عرَّفته على ضَرْبَيْنِ فَإِن أردْت شَهَّرته حَتَّى عُرف فَإِنَّهُ يَجري مَجْرَى التَّسْمِيَة لِأَنَّك إِذا شَهَّرته بِشَيْء فعُرف بِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَة تسميتِك لَهُ بالاسمِ الَّذِي يُعرف لَهُ وَالْوَجْه الآخر أَن تكون عرَّفته بِمَعْنى أعلمته أمرا كَانَ يجهلُه فَتَقول فِي الْوَجْه الأول عَرَّفت أخاكَ بزيد كَمَا تَقول عَرَّفت أخاكَ بالعمامة السَّوْدَاء إِذا جَعلتهَا عَلامَة لَهُ يعْرِفُه غيرُه بهَا وَتقول فِي الْوَجْه الثَّانِي عَرَّفت أخاكَ زيدا إِذا أعلمتَه إِيَّاه وَلم يكن عارِفاً بِهِ من قَبْلُ وَهُوَ من الْقسم الأول لِأَن الأَصْل عَرَفَ أَخُوك زيدا كَمَا تَقول أَخذ زيدٌ دِرْهماً فقولنا عَرَّفت أَخَاك بزيد لَا يجوز حذفُ حرفِ الجرِّ مِنْهُ كَمَا جَازَ فِي سَمَّيت لئلاّ يَلْتَبِس بِالْوَجْهِ الآخر من وَجْهَيْ عرَّفت وَلَيْسَ لسمَّيت إِلَّا طريقةٌ وَاحِدَة. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: مثل ذَلِك قَول المتَلَمِّس: آليْتَ حَبَّ العِراقِ الدَّهْرَ أطعَمُهُ والحَبُّ يأكلُهُ فِي القَرْيَةِ السُّوسُ وَهَذَا شاهدٌ لجَوَاز حذفِ حرفِ الجرِّ لَا للَّذي يتضمَّنه البابُ من تَعدّي الفعلِ إِلَى مفعولين. قَالَ أَبُو عَليّ: قَالَ سِيبَوَيْهٍ فِي هَذَا الْبَاب من كِتَابه مستشهداً لجَوَاز حذف حرفِ الجرِّ كَمَا قَالَ: نُبِّئتُ زيْداً يُرِيد عَن زيد. قَالَ: وَلَيْسَت عَن وعَلى هَهُنَا بِمَنْزِلَة الْبَاء فِي قَوْله كَفَىَ باللهِ وَلَيْسَ بزيد لِأَن عَليّ وَعَن لَا يُفْعَل بهما ذَلِك وَلَا بمِن فِي الْوَاجِب. اعْلَم أَن الحروفَ الَّتِي يجوزُ حذفُها على ضَرْبَيْنِ: مِنْهَا مَا يُحذَف وَهُوَ مقدَّر لصحَّة معنى الكلامِ وَمِنْهَا مَا يكونُ زَائِدا لِضَرْب من التَّأْكِيد وَالْكَلَام لَا يُحْوِج إِلَيْهِ فَإِذا حذف لم يقدَّر فَأَما الَّذِي يكون زَائِدا وَالْمعْنَى لَا يُحْوِج إِلَيْهِ فنحو قَوْلك كفى باللهِ وَالْمعْنَى كفى اللهُ وَلَيْسَ أَخُوك بزيد لِأَن الْمَعْنى لَيْسَ أَخُوك زيدا وَمَا قَامَ مِن أحدٍ مَعْنَاهُ مَا قَامَ أحدٌ وَإِذا حذفنا هَذَا الحرفَ لم يختلَّ معنى الكلامُ وَلم يُحوجِ الْمَعْنى إِلَى تقديرها وَأما الَّذِي يَقْتَضِيهِ معنى الْكَلَام فنحو قَوْلك نُبِّئْت زيدا فَعَلَ كَذَا وَكَذَا تَقْدِيره نُبِّئْت عَن زيدٍ لِأَن نُبِّّئْت فِي معنى أُخبِرت وَالْخَبَر يَقْتَضِي عَن فِي الْمَعْنى وَكَذَلِكَ أَمَرْتكَ الخيرَ الْبَاء مقدرَة لِأَن الْأَمر لَا يصل إِلَى الْمَأْمُور بِهِ إِلَّا بِحرف لَا غير. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَلَيْسَ أستغفرُ الله ذَنْبَاً وأمرتك الخيرَ أكثرَ فِي كَلَامهم جَمِيعًا وَإِنَّمَا يتَكَلَّم بِهِ بعضُ الْعَرَب وَلَيْسَ كلُّ مَا كَانَ متعديّاً إِلَى الْفِعْل بِحرف جرٍّ جازَ حذفُه إِلَّا مَا كَانَ مسموعاً أَلا ترى أَنَّك تَقول مررْت بزيدٍ وتكلَّمت فِي زيدٍ وَلَا تَقول مَرَرْت زيدا وَلَا تكلّمت عَمْرَاً كَمَا قلت أمرتُك الخيرَ ودخلْتُ البيتَ فِي معنى أَمرتك بالخيرِ وَدخلت فِي الْبَيْت. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: فِي هَذَا الْبَاب من كِتَابه وَلَيْسَ كلُّ فعل يُفعَل بِهِ هَذَا كَمَا أَنه لَيْسَ كلُّ فعل يتعدَّى الفاعلَ وَلَا يتعدَّى إِلَى مفعولين يَعْنِي لَيْسَ كلُّ مَا كَانَ مُتَعَدِّيا بِحرف جرٍّ يجوز حذفه بل

<<  <  ج: ص:  >  >>