مَنابَ الْألف وَاللَّام وَلَو كَانَت الَّذِي إِنَّمَا تعرُّفُها بِالْألف وَاللَّام فَمَا كَانَت ذُو الَّتِي بِمَعْنى الَّذِي معرفَة لِأَنَّهُ لَا لَام فِيهَا وَهِي معرفةٌ لأَنا وجدْناهم يَصفون بهَا المعارف فصحَّ من هَذَا أَن تَعَرُّفَ هَذِه المَوْصولاتِ بصلاتها أَوَلا تَرى أَنَّك إِذا خَلَعْت الصِّلَة من مَنْ ووضعتَ مكانَها الصّفة كَانَتَا نكرتين كَقَوْلِه تَعَالَى: (هَذَا مَا لَدَيَّ عَتيدٌ) . على أحد الْوَجْهَيْنِ اللَّذين ذكرهمَا سِيبَوَيْهٍ وكقول الشَّاعِر: كَمَنْ بِواديهِ بَعْدَ المَحْلِ مَمْطورِ وَنَظِير الَّذِي فِي أَن الْألف وَاللَّام زَائِدَة فِيهَا قولُهم الآنَ الْألف وَاللَّام فِيهِ زائدةٌ وَلَيْسَت على حدِّ: (إنَّ الإنسانَ لَفي خُسْر) . وَذهب النَّاس بالدِّينار والدِّرْهم وَإِنَّمَا أوردت هَذِه المسئلة لغُموضها ودقَّتها ولُطْفها فِي الْعَرَبيَّة وليكون دارسُ هَذَا الكتابِ مُلْتمِساً لجَسيمٍ من الْفَائِدَة، وَفِي الَّذِي لُغاتٌ: الَّذي بِإِثْبَات الياءِ، والَّذِ بِكَسْر الذَّال بِغَيْر يَاء، واللَّذْ بِإِسْكَان الذَّال، والَّذيُّ بتَشْديد الْيَاء وَفِي التَّثْنِيَة اللَّذانِّ بتَشْديد النونِ وتخفيفها، واللَّذا بِحَذْف النُّون، وَفِي الْجَمِيع الَّذينَ والَّذونَ واللأُونَ وَفِي النصب والخفض اللائين واللاؤا بِلَا نون واللائي بِإِثْبَات الْيَاء فِي كل حَال والأُلى وللمؤنَّث اللائي واللاءِ بِالْكَسْرِ واللاتي واللَّتِ بِالْكَسْرِ بِغَيْر يَاء واللَّتْ بِإِسْكَان التَّاء واللَّتانِ واللَّتا بغيرِ نونٍ واللَّتانِّ بتَشْديد النونِ وَجمع التِّي اللَاّتي واللَاّتِ بِغَيْر يَاء واللَّواتي واللَّواتِ بالكسْر بِغَيْر يَاء واللَّوا والَّلاء بهمزةٍ مَكْسُورَة واللآتِ مكسورةَ التَّاء مثل اللَّعات، وطيّيء تَقول هَذَا ذُو قالَ ذاكَ يُرِيدُونَ الَّذِي ومررت بذو قالَ ذاكَ وَرَأَيْت ذُو قالَ ذَاك وللأنثى ذاتُ قالتْ ذاكَ فِي الرفْع والنصْب والخفْض فَأَما أَبُو حَاتِم فَقَالَ ذُو هَذِه للْوَاحِد والاثنين والجميع والمذكر والمؤنَّث بلفظٍ وَاحِد وإعرابها بِالْوَاو فِي كلِّ موضِع وَإِن كَانَ لَيْسَ بإعراب لِأَنَّهُ اسمٌ موصولٌ كَالَّذي. قَالَ أَبُو حَاتِم: سَوَّوْا هَذِه اللفظةَ كَمَا فعلوا ذَلِك بمَنْ وَمَا فَأَما التَّثْنِيَة فِي ذوُ فِي ذُو وذاتُ فَلَا يجوزُ فِيهِ إِلَّا الإعرابُ فِي كل الْوُجُوه وَحكى أَنه قد سُمع فِي ذاتٍ وذواتٍ الرفعُ فِي كل حَال على الْبناء. وَقَالَ غير الْبَصرِيين: أصلُ الَّذِي هَذَا وَهَذَا عِنْدهم أَصله ذَيْ وَهَذَا بعيدٌ جِدَّاً لِأَنَّهُ لَا يجوزُ أَن يكونَ اسمٌ على حرفٍ فِي كَلَام الْعَرَب إِلَّا المضمَر الْمُتَّصِل وَلَو كَانَ أَيْضا الأصلُ حرفا وَاحِدًا لما جَازَ أَن يُصَغَّر والتصغير لَا يدخُلُ إِلَّا على اسمٍ ثُلاثيٍّ والموجودُ والمسموعُ مَعًا أَن الأصولَ من الَّذي ثَلَاثَة أحرفٍ لامٌ وذالٌ وياءٌ وَلَيْسَ لنا أَن ندفع الموجودَ إِلَّا بالدَّليل الْوَاضِح والحُجَّة البيِّنة على أنّي لَا أَدْفَعُ أنَّ ذَا يجوزُ أَن يُستعمَل فِي موضعِ الَّذي فيشارُ بِهِ إِلَى الْغَائِب ويُوضَّح بالصِّلة لِأَنَّهُ نُقل من الإشارةِ إِلَى الْحَاضِر إِلَى الإشارةِ إِلَى الْغَائِب فاحتاجَ إِلَى مَا يوضِّحه لِما ذكرْنا. وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: إنّ ذَا يجْري بمنزلةِ الَّذي وَحْدَها وَيجْرِي معَ مَا بمنزلةِ اسمٍ واحدٍ فَأَما إجراؤهم ذَا بِمَنْزِلَة الَّذِي فَهُوَ قولُهم مَاذَا رَأَيْت فَتَقول متاعٌ حسنٌ، وَقَالَ لبيد: أَلا تَسْأَلانِ المَرْءِ مَاذَا يُحاوِلُ أَنَحْبٌ فيُقْضى أم ضَلالٌ وباطِلُ وأمَّا إجراؤهم إيَّاه مَعَ مَا بمنْزلة اسمٍ واحدٍ فَهُوَ قَوْلك مَاذَا رأيتَ فَتَقول خَيْرَاً كأنَّك قلتَ مَا رَأَيْتَ وَمثل ذَلِك قَوْلهم مَاذَا ترى فَتَقول خَيْرَاً وَقَالَ تَعَالَى: (مَاذَا أَنْزَلَ ربُّكُمْ قَالُوا خَيْرَا) . فَلَو كَانَ ذَا لَغْوَاً لما قَالَت العربُ عَمَّا ذَا تَسْأَلُ ولقالوا عَمَّ ذَا تَسْأَل وَلَكنهُمْ جعلُوا مَا وَذَا اسْما وَاحِدًا كَمَا جعلُوا مَا وإنَّ حرفا وَاحِدًا حينَ قَالُوا إِنَّمَا ومثلُ ذَلِك كأنَّما وحيثُما فِي الجَزاء وَلَو كَانَ ذَا بمنزلةِ الَّذِي فِي هَذَا الْموضع البتَّة لَكَانَ الْوَجْه فِي مَاذَا رَأَيْتَ إِذا أردتَ الْجَواب أَن تَقول خيرٌ فَهَذَا الَّذِي ذكره سِيبَوَيْهٍ بَيِّنٌ وَاضح من استعمالِهم ذَا بمنْزلة الَّذِي فأمَّا أَن تكونَ الَّذِي هِيَ ذَا فبعيدٌ جدا أَلا ترى أَنهم حِين استعملوا ذَا بمنْزلة الَّذي استعملوها بلفظها وَلم يُغيِّروها والتغيير لَا يبْلُغ هَذَا الَّذِي ادَّعوه كلَّه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute