ظَرُفَ وظَرَّفته ونَبُلَ ونبَّلْته وَلَا يستنكر أفعَلْت فيهمَا وَلَكِن هَذَا أَكثر فاستُغْنِي بِهِ، وَمثل أَفرحت وفرَّحت أنزلْت ونزَّلت قَالَ الله تَعَالَى: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيةٌ من ربِّه قل إنَّ الله قادرٌ على أنْ يُنَزِّلَ آيَة) ، وَيُقَال نجا زَيدٌ وأَنْجَيْتُه ونَجَّيْته وكثَّرَهم وأكثَرَهم وَيدخل فِي ذَلِك عرَفَ زيدٌ أَمرَه وعرَّفت زيدا أمرَه. قَالَ أَبُو عَليّ: اعْلَم أَن هَذَا الْبَاب يُسمى بَاب نَقْل الفِعْل عَن فَاعله وتصييره مَفْعُولا وَذَلِكَ أَن الْفِعْل الثُّلاثي إِذا أردتَ أَن تجعَلَ الفاعلَ فِيهِ مَفْعُولا جِئتَ بفاعلٍ أدخَلَه فِي ذَلِك الْفِعْل فَيصير مَفْعُولا وعلامة نقْل الْفِعْل أَن تَزيدَ همزَة فِي أوّله أَو تُشَدِّدَ عين الْفِعْل وَزِيَادَة الْهمزَة فِي أوَّله أكثرُ وأَعمُّ، فَإِذا كَانَ الْفِعْل غير مُتَعَدٍّ تعَدَّى إِلَى واحدٍ كَقَوْلِك ذهب زيدٌ وأَذهبَ عمروٌزيداً وَجلسَ زيدٌ وأجلس عَمروٌ زيدا، وَإِن كَانَ الْفِعْل متعدِّياً إِلَى مفعول صَار بالنَّقل متعدِّياً إِلَى مفعولين لأنَّ فَاعله يصير مَفْعُولا كَقَوْلِه لبسَ زيدٌ الثَّوبَ وألبست زيدا الثوبَ وَدخل زيدٌ الدارَ وَأدْخل عمروٌ زيدا الدَّار، وَإِن كَانَ متعدِّياً إِلَى مفعولين تعدَّى بِالنَّقْلِ إِلَى ثَلَاثَة وَلَا يكون أَكثر من ذَلِك وَذَلِكَ قَوْلك علمَ زيدٌ عَمراً خارِجاً ثمَّ تَقول أعلَم اللهُ زيدا عَمْراً خارِجاً، وَقد يجوز أَن يكون الْفِعْل يصيرُ فَاعله مَفْعُولا على غير لفظ النَّقل الَّذِي ذكرت لَك وَذَلِكَ قَوْلك زادَ مالُكَ وزادَ اللهُ مالَكَ ونقَصَ مالُكَ ونقَصَ الله مالَكَ وشَحا فُو زَيْدٍ وشَحا عَمروٌ فَا زَيْدٍ، وَقد يجوز أَن يدْخل أَفْعَلَ وفَعَّلَ على غير وَجه النَّقْل وسيتبيَّن لَك تصرُّف وُجُوه ذَلِك وَهَذَا أَيْضا تَحْلِيل أبي سعيد، وَأما طَرَدته فنَحَّيْته وأطرَدْته جعلته طَريداً أَعنِي أَن أطْرَدْته، وطَرَدَتِ الكلابُ الصَّيْدَ: أَي جعلَتْ تُنَحِّيه، وَيُقَال طَلَعْت أَي بَدَوْت، وطَلَعَت الشَّمْس: أَي بدَت، وأطْلَعْت عَلَيْهِم: أَي هجمْت عَلَيْهِم، وشَرَقت الشمسُ: بَدَتْ، وأشْرَقَتْ: أَضَاءَت، وأسْرَعَ: عَجِلَ، وأبطأَ: احتبَسَ، وَأما سَرُعَ وبَطُؤَ فكأنهما غريزة كَقَوْلِك خَفَّ وثَقُلَ وَلَا تُنْفِذهما إِلَى شيءٍ كَمَا تَقول طَوَّلت الأمرَ وعجَّلته يَعْنِي أَن أسْرع وأبطأَ لَا يعدَّيان وَإِن كَانَا على أفْعَلَ وفصَّل سِيبَوَيْهٍ بَينهمَا وَبَين سَرُعَ وبَطُؤَ وَإِن كَانَ ذَلِك كُله لَا يتعدَّى بِأَن قَالَ سَرُعَ وبَطُؤَ كَأَنَّهُمَا غريزة: أَي صَار طبعه السُّرعة والبُطْءَ وَفِي أسْرَعَ وأبطأَ لَيْسَ بطبعٍ، وَقَوْلنَا لَا تُنفِذهما إِلَى شَيْء يَعْنِي لَا تُعَدِّي أسرعَ وأبطأَ كَمَا تُعدِّي طوَّلتِ الأمرَ وعجَّلته، وَيَقُولُونَ فَتَنَ الرَّجلُ وفَتَنْته وحَزِنَ وحَزَنته. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَزعم الْخَلِيل أَنَّك حَيْثُ قلت فتَنْته وحَزَنته لم ترد أَن تَقول جعلته حَزينًا وَجَعَلته فاتناً كَمَا أَنَّك حِين قلت أدخلْته أردْت جعلْته دَاخِلا وَلَكِنَّك أردْت أَن تَقول جعلت فِيهِ حزنا وفتنةً فَقلت فتنْته كَمَا قلت كَحَلْته: أَي جعلت فِيهِ كُحْلاً، ودَهَنته جعلتَ فِيهِ دُهْناً. قَالَ أَبُو سعيد: مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ أَن أفعَلْته الَّذِي للنَّقْل مَعْنَاهُ جعَلْته فَاعِلا للْفِعْل الَّذِي كَانَ لَهُ أَي صيَّرته وفَعَلته أَي جعلْت فِيهِ ذَلِك الفعلَ فَإِذا قلت أدخَلْته: أَي جعلته دَاخِلا، وَإِذا قلت ضرَبْته: أَي جعلت فِيهِ ضَرْبا، وَإِذا قلت بنيته جعلت فِيهِ بِنَاء، وَإِذا قلت أَبْنَيت زيدا الدّارَ مَعْنَاهُ جعلته بانياً لَهَا وَلذَلِك قَالُوا فتنْت الرجلَ وأفْتنته، فَمن قَالَ فتَنْته أَرَادَ جعلت فِيهِ فِتْنةً، وَمن قَالَ أفْتنته أَي جعلته فاتنا، يُقَال فَتَنَ الرَّجل فَهُوَ فاتِنٌ، ويسمي سِيبَوَيْهٍ النَّقل الَّذِي قدَّمنا ذكره التَّغييرَ فَلذَلِك قَالَ فِي فتَنْته وكَحَلته وحَزَنته لم ترد بفَعْلَته هَهُنَا تغييرَ قَوْله حَزْن وفَتَن من فتَنْته كحَزِنَ من حَزَنته وَمثله شَتِرَ الرجلُ وشَتَرتُ عينَه فَإِذا أردْت تَغْيِير شَتِر لم تقل إلاّ أشْترته كَمَا تَقول فَزِعَ وأفزَعته وَإِذا قلتن شَترتُ عينَه لم تَعرِض لشَتِر الرجُلُ وَإِنَّمَا جَاءَ بِبِنَاء على حِدَةٍ كَأَنَّهُ قَالَ جعلْت فِيهِ شَتَرا كَمَا أَنَّك إِذا قلت طَرَدْته وأطْرَدْته فهما مُخْتَلِفَانِ وَمثل ذَلِك عَوِرَتْ عَيْنه وعُرْتها، وعُرْتها لَيْسَ بتغيير عَوِرَتْ عينُه، وَقد قَالُوا حِين أَرَادوا التَّغْيِير وَالنَّقْل لعَوِرتْ عينُه أعورْت عينه، وَمثله سَوِدْت أَي اسوَدَدْتُ هَذَا مَعْنَاهُ، وسُدْت غَيْرِي وسَوِدْت أَنا وسُدْت غَيْرِي أَي سَوَّدته قَالَ نُصيْب: تَقول فَزِعَ وأفزَعته وَإِذا قلتن شَترتُ عينَه لم تَعرِض لشَتِر الرجُلُ وَإِنَّمَا جَاءَ بِبِنَاء على حِدَةٍ كَأَنَّهُ قَالَ جعلْت فِيهِ شَتَرا كَمَا أَنَّك إِذا قلت طَرَدْته وأطْرَدْته فهما مُخْتَلِفَانِ وَمثل ذَلِك عَوِرَتْ عَيْنه وعُرْتها، وعُرْتها لَيْسَ بتغيير عَوِرَتْ عينُه، وَقد قَالُوا حِين أَرَادوا التَّغْيِير وَالنَّقْل لعَوِرتْ عينُه أعورْت عينه، وَمثله سَوِدْت أَي اسوَدَدْتُ هَذَا مَعْنَاهُ، وسُدْت غَيْرِي وسَوِدْت أَنا وسُدْت غَيْرِي أَي سَوَّدته قَالَ نُصيْب: سَوِدْتُ فَلم أَمْلِكْ سَوادي وتَحْتَه قَميصٌ من القُوهيِّ بيضٌ بَنائقُهْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute