فَصَارَ بِمَنْزِلَة قولِهم أَصْرَم النخلُ، وَالرَّابِع أَن يُقَال أَفْعَلَ من الدُّخُول فِي الشيءِ كَقَوْلِهِم أَفْجَرْنا: أَي دَخَلْنا فِي وقتِ الْفجْر وأَمْسَيْنا وأَصْبَحْنا وأَظْهَرْنا: دَخَلْنا فِي الْمسَاء والصَّباح والظُّهر وَمِنْه يُقَال أَشْمَلنا وأَجْنَبنا وأَصْبَينا وأَدْبَرنا: إِذا دَخَلنَا فِي الشمَال والجَنوب والصَّبا والدَّبور وَيُقَال أَشْهَرنا: إِذا دَخَلْنا فِي الشَّهر، قَالَ الشَّاعِر: مَا زِلتُ مُذْ أَشْهَرَ السُّفَّارُ أَنْظُرُهُم مثلَ انْتِظَار المُضَحِّي راعيَ الإبلِ وَإِنَّمَا يُستعمل ذَلِك فِي الْأَوْقَات وَمَا جرى مَجراها، قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَتقول لما أَصَابَهُ هَذَا نَحِزٌ وجَرِبٌ وحالَتِ الناقةُ يَعْنِي أَنه لَيْسَ للبعير الَّذِي أَصَابَهُ الجَرَب فِي نفْسِه مُجْرِب وَلَا الَّذِي أَصَابَهُ النُّحاز مُنْحِز إِنَّمَا يُقَال مَنْحُوز والمُنْحِز صاحبُه والنُّحاز: السُّعال وَفِي غير ذَلِك إِذا لم يكن على الْوَجْه الَّذِي ذكرنَا لامَ الرجلُ صاحبَه وصَرَمَ النخلَ وجزَّه وقَطَعَه وَمَا أشبه ذَلِك وَمثل ذَلِك: أَسْمَنتَ وأَكْرَمتَ فاربِط. يُقَال ذَلِك للرجل إِذا وجد شَيْئا نَفيساً يُرغبُ فِيهِ أَن يتمسّك بِهِ فَمَعْنَى أَسْمَنت: أَي وَجَدْت سَميناً وأَكْرَمت: أَي وجدت فَرَساً كَرِيمًا وغيرَ فَرَس فاربِط: أَي اتخِذه وَأما أَحْمَدته فوجَدْته مستحقَّاً للحَمْد مني، قَالَ: وَقَالُوا أَرابَ كَمَا قَالُوا أَلامَ: أَي صَار صاحبَ رِيبةٍ كَمَا قَالُوا أَلامَ: استحقَّ أَن يُلام وأمَّا رابَني فَتَقول جَعَلَ فِيَّ رِيبةً كَمَا تَقول قَطعت النخلَ: أَي أَوْصَلت إِلَيْهِ القَطْع فأَرابَ غيرُ متعدٍّ ورابَ متَعدٍّ، لَا تقُل أَرابني لِأَنَّك لم تفعل بِهِ الإرابة وَإِنَّمَا اسْتَوْجَبت الرِّيبة أَو صِرت صاحبَ ريبةٍ، وَقَالَ بعض أهل اللُّغَة: رابَني: إِذا تَبَيَّنَتْ مِنْهُ وأَرابَ: إِذا اتُّهِمَ بهَا وَلم تتبَيَّن وَلذَلِك قَالَ بعض الشُّعَرَاء: أخوكَ الَّذِي إنْ رِبْته قَالَ إنَّما أَرَبْتَ وَإِن عاتَبْتَه لانَ جانِبُه فَمَعْنَاه إِن تبيَّن مِنْك رِيبَة قَالَ لم أتبَيَّنْ بعدُ وَمثل ذَلِك أبَقَّتِ المرأةُ وأبَقَّ الرجلُ: إِذا كَثُر أولادُهما وَهُوَ يدْخل فِي بَاب المُنْحِز والمُجْرِب أَي لَهما أولادٌ كثير وَإِن جِئْت بِالْفِعْلِ من ذَلِك قلت بَقَّت المرأةُ وَلَدَاً وبَقَقْتُ كلَاما كَقَوْلِك نَثَرْت ولَداً ونَثَرْت كلَاما وَمثل المُجْرِب والمُقْطِف المُعْسِر والموسِر والمُقِلُّ وَأما عَسَّرته: فَمَعْنَاه ضَيَّقت عَلَيْهِ، ويسَّرْته: وسَّعت عَلَيْهِ. وَقد يكون فَعَلْت وأَفْعَلت بِمَعْنى واحدٍ كأنَّ كل وَاحِد مِنْهُمَا لغةٌ لقوم ثمَّ تختلط فتُستعمَل اللُّغتان كَقَوْلِك قِلْتُه البيعَ وأَقَلْته وشَغَلَه وأَشْغَله وصَرَّ أُذُنَيْه وأَصَرَّ: إِذا أقامهما وبَكَرَ وأَبْكَر وَقَالُوا بَكَّر فأدخلوها مَعَ أَبْكَرَ فبَكَّر أُدخِل مَعَ أَبْكَرَ كَمَا قَالُوا أَدْنَف فَبَنَوه على أَفْعَلَ وَهُوَ من الثَّلَاثَة وَلم يَقُولُوا دَنِفَ وَهَذَا عَقْد سِيبَوَيْهٍ وأُحَلِّله يُرِيد أَن البابَ فِي الأمراضِ أَن تجيءَ على فَعِلَ وَلم يستعملوا مَا يوجبهُ البابُ وَهُوَ دَنِفَ واستعملوا أَدْنَفَ وَقَالُوا أَشْكَلَ أمرُك وَلم يستعملوا غَيْرَه وَقَالُوا حَرَثْتُ الظَّهْرَ: أَي أَتْعَبته، والظَّهر: المَرْكوب، وأَحْرَثت. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَمثل أَدْنَفت أَصْبَحْنا وأَفْجَرْنا وأَمْسَيْنا شبَّهوه بِهَذِهِ الَّتِي تكونُ فِي الأحيان كأنَّ مَعْنَاهُ دَخَلْت فِي وَقْتِ الدَّنَف كَمَا دَخَلْت فِي وقتِ السحَر. قَالَ: وَمثل ذَلِك نَعِمَ اللهُ بكَ عَيْنَاً وأَنْعَم اللهُ بكَ عَيْنَاً فَهَذَا من بَاب فَعَلْت وأَفْعَلت بِمَعْنى وَاحِد يُقَال إِن قوما من الفُقهاء كَانُوا يَكْرَهون استعمالَ هَذِه اللفظةِ وَهِي نَعِمَ الله ُبك عَيْنَاً لِأَنَّهُ لَا يُستعمَل فِي الله نَعِمَ اللهُ وللقائل أَن يَقُول الْبَاء فِي بك بِمَنْزِلَة التعدِّي أَلا ترى أَنَّك تَقول ذَهَبَ الله بِهِ وأَذْهَبه ومعناهما واحدٌ وزُلْت بِهِ من مكانِه وأَزَلْته وَتقول غَفَلْت: أَي صِرت غافلاً وأَغْفَلت الْإِنْسَان: إِذا وَجَدْته غافلاً كَمَا تَقول أَجْبَنته: إِذا وجدته جَباناً وعَلى ذَلِك يحمل قَوْله تَعَالَى: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قلبَه عَن ذِكْرِنا) . أَي وَجَدْنَاهُ غافلاً وغَفَلْت عَنهُ بِمَعْنى أَغْفَلته إِذا تَرَكْته وَمثل ذَلِك لَطَفَ لَهُ وأَلْطَف غَيْرَه ولَطَفَ بِهِ كغَفَلَ عَنهُ وأَلْطَفه كأَغْفَلَه ولَطَفَ لَهُ بِمَعْنى تَلَطَّف لَهُ ورَفَقَ بِهِ وَيُقَال بَصُرَ الرجلُ فَهُوَ بَصير: إِذا خَبَّرْت عَن وُجود بَصَره وصِحَّتِه لَا على معنى وُقُوع الرُّؤْية مِنْهُ لِأَنَّهُ قد يُقَال بَصير لمن غَمَّض عَيْنَه وَلم يرَ شَيْئا لصِحَّة بَصَره
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute