فاخَرَني ففَخَرْته أفْخَرُه، وَقد تبيَّن من كلامنا أَن هَذَا الْبَاب حِفْظِيٌّ غيرُ مَقيسٍ وَأَنا أذكر مَا سقط من إِلَى من كارَمَني فكَرَمْته: أَي كنت أكرمَ مِنْهُ وفاخَرَني ففخَرته من الْمُفَاخَرَة وشاعَرَني فشَعَرْته من الشّعْر وخازاني فخَزَيْته وشاقاني فشَقَوْته وراضاني فرَضَوْته لِأَنَّهُ من الرضْوَان وساعاني فسَعيته وساوَدَني فسُدْته من سَواد اللَّوْن والُّسؤدد جَمِيعًا وبايَضَني فبِضْتُه من الْبيَاض، وفازَعَني ففَزَعْته: أَي صرت أشدَّ مِنْهُ فزَعا، وناوَمَني فنِمْته وخاوَفَني فخِفْته وخاشاني فخَشَيْته وواضأني فوضَأته أَضُؤُه وواخَمَني فوَخَمْته وواسَمَني فوسَمْته أَخِمُه وأَسِمُه وَأَخْطَأ فِي أَضُؤُه على مَا بيَّنت فِي القانون. وَقَالَ ضاربَني فضرَبْته أضرُبُه وَكَذَلِكَ من الْعقل وَمثله عالَمَني فعَلَمْته أَعْلُمُه وواجَلَني فوَجَلْته أَجِلُه وَفِي الوَحَل مثلُه وواهبَني فوَهَبْته أَهَبُه وأَهِبُه وَالْفَتْح فِيهِ أَجود، وَمن الوَعْد واعَدَني فوَعَدْته. وَقد تَجِيء فاعَلْت لَا تُرِيدُ بهَا عمل اثْنَيْنِ وَلَكنهُمْ بنوا عَلَيْهِ الْفِعْل كَمَا بنَوْه على أَفْعَلْت كَقَوْلِك ناولته وعاقبته وَعَافَاهُ الله وسافرْت وظاهَرْت عَلَيْهِ، وَمعنى ظاهَرْت: أَي أضعفت عَلَيْهِ لِبَاسه كَقَوْلِك ظاهَرَ عَلَيْهِ درعين وثوبين: أَي جعل أحدَهما ظِهارةً وَالْآخر بِطانةً وَمن هَذَا قَوْلهم تظاهَرَتْ نِعَمُ الله عَلَيْهِ وظاهَرْت كتبي إِلَيْك: أَي تابعت فَصَارَ بَعْضهَا كالظَّهر لبَعض فَصَارَت هَذِه الْأَفْعَال كَسَائِر الْأَبْنِيَة الَّتِي ترد فِيمَا يتعدَّى من الْأَفْعَال كَقَوْلِك أكرمْته وَمَا أشبه ذَلِك، وَقَالُوا ضاعفتَ وضعَّفْت وناعَمْته ونعَّمْته كَمَا قَالُوا عاقَبْته، وَتقول تَعاطَيْنا وتَعَطَّينا فَيكون تعاطَينا من اثْنَيْنِ كَأَنَّك قلت عاطيته الكأسَ: أَي أَعْطَانِي كأساً وأعطيته مثلهَا، فَإِذا قلت تعطَّينا فقد أردْت التكثير فِي هَذَا الْمَعْنى. قَالَ أَبُو عَليّ: وَمن هَذَا الْبَاب قَوْلهم قارَبَ وقرَّبَ وباعدَ وبعَّدَ وعَلى هَذَا قِرَاءَة من قَرَأَ ربَّنا باعِدْ وبَعِّدْ. قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما تفاعلْتَ فَلَا يكون إلاّ وَأَنت تُرِيدُ فعل اثْنَيْنِ فَصَاعِدا وَلَا يجوز أَن يكون معملا فِي مفعول وَلَا يتعدَّى الْفِعْل إِلَى مَنْصُوب فَفِي تفاعلنا يُلفظُ بِالْمَعْنَى الَّذِي كَانَ فِي فاعَلْته وَذَلِكَ قَوْلك تضارَبْنا وترامَيْنا وتقاتَلْنا. قَالَ أَبُو سعيد: اعْلَم أَن فاعلْته يجوز أَن تكون من فِعْل متعَدٍّ إِلَى مفعول ثانٍ غير الَّذِي يفعَل بك مثلَ فِعْلك، وَيجوز أَن لَا يكون متعدٍّ إِلَى اكثر كَقَوْلِك ضاربت زيدا وشاتمته وَلَيْسَ بعد زيد مفعولٌ آخر، فَإِذا قلت تضارَبْنا وتشاتمْنا فقد ذكرت فِعل كل وَاحِد مِنْكُمَا بِالْآخرِ وَلَا مفعولَ غيرُكما وَهَذَا الَّذِي أَرَادَ سِيبَوَيْهٍ أَنه لَا يكون مُعمَلا فِي مفعول وَقد يجوز أَن يكون الْفِعْل متعدِّياً إِلَى اثْنَيْنِ فِي الأَصْل فيُؤْتَى بمفعولٍ آخر فِي قَوْلك تفاعلْنا وَذَلِكَ قَوْلك عاطيت زيدا الكأسَ ونازعْته المالَ فَإِذا جعلت الْفِعْل لنا قلت تعاطَيْنا الكأسَ وتنازعنا المالَ قَالَ الشَّاعِر: فلمّا تنازَعْنا الحديثَ وأسْمَحَتْ هَصَزْتُ بغُصْنٍ ذِي شَماريخَ مَيَّالِ وَقَالَ الْأَعْشَى: نازَعْتُهم قُضُبَ الرَّيحانِ مُرْتَفِقاً وقهوَةً مُزَّة راوُوقُها خَضِلُ وَقَالَ ابْن أبي ربيعَة: ولمّا تفاوَضنا الحديثَ وأَسْفَرَتْ وُجوهٌ زَهاها الحُسْنُ أَن تتَقَنَّعا وَقد يَجِيء تفاعلوا وافتعلوا فِي معنى واحدٍ كَقَوْلِك تضاربواواضطربوا وتقاتلوا واقتتلوا وتجاوروا واجْتَوروا وتلاقَوا والتَقَوا. وَقد يَجِيء تفاعَلْت بِمَعْنى فَعَلْت كَمَا جَاءَ عاقبته وَنَحْوهَا وَأَنت لَا تُرِيدُ بهَا الْفِعْل من اثْنَيْنِ وَذَلِكَ قَوْلك تقاربتُ من ذَلِك وتَراءيت لَهُ وتقاضيته وتماريتُ فِي ذَلِك: أَي شَككت وتعاطينا مِنْهُ أمرا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute