ذكر على تذكِيرِ وَلَا أَرض أبقل:
(والعَيْنَ بِالاثْمدِ الحارِيِّ مكحولُ ... )
وَقد قَالَ فِي كتاب البَغْدادِيَّات إِن أجْمَع حمل على الضَّمِير الَّذِي فِي فَرْع كَأَنَّهَا وَهِي طَوِيلَة قَالَ: فَأَما قَوْله تَعَالَى: {وَإِذا حَضَر القِسْمةُ أُولُو القُرْبَى} [النِّسَاء: ٨] ثمَّ قَالَ: {فارزُقُوهم مِنْهُ} [النِّسَاء: ٨] فَلِأَنَّهُ حُمِل على الْإِرْث يَعْنِي الميراثَ أَو لِأَن القسمةَ المقْسومُ فِي الْمَعْنى قَالَ: وعَلى هَذَا حمل سِيبَوَيْهٍ قَوْله:
(والعينُ بالاِثْمدِ الحارِيِّ مكحولُ ... )
كَمَا تقدم وروى أَبُو عُثْمَان وغيرُه عَن الْأَصْمَعِي أَنه كَانَ يتأوّله إِذْ هِيَ أحْوَى حاجبُها مَكْحُول والعينُ بالاِثْمدِ قَالَ أَبُو عُثْمَان: الْعَرَب تَقول الأَجْذاع انكَسَرْن لأدنَى العَدَد والجُذُوع انْكَسَرتْ لكثيره وعَلى هَذَا قَوْلهم لِخمْس خَلَوْن وَكَذَلِكَ إِلَى العَشْر فَإِذا زَاد على الْعشْرَة دخل فِي حَدّ الْكثير فَقَالُوا لإِحدَى عشْرَةَ خَلَتْ وَكَذَلِكَ إِلَى التّسْعَ عشرةَ قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَأما الجَمِيع من الحَيوان الَّذِي يُكَسِّر عَلَيْهِ الواحدُ فبمنزلة الجَميع من غَيره الَّذِي يكسَّر عَلَيْهِ الواحدُ أَلا تَرى أَنَّك تَقول هُوَ رجل وَهِي الرجالُ فَيجوز ذَلِك وَتقول هُوَ جَمَل وَهِي الجِمَال وَهُوَ عَيْر وَهِي الأعْيار فجرَتْ هَذِه كُلُّها مَجْرَى هِيَ الجُذُوع وَمَا أشبه ذَلِك يُجْرَى هَذَا المُجْرَى لِأَن الْجَمِيع يؤنَّث وَإِن كَانَ كلُّ واحدٍ مِنْهُ مذَكَّراً من الْحَيَوَان فَلَمَّا كَانَ كَذَلِك صَيَّرُوه بِمَنْزِلَة المَوَات لِأَنَّهُ قد خَرج من الأوّل الأمْكَن حَيْثُ أردْت الْجَمِيع فَلَمَّا كَانَ ذَلِك احتملوا أَن يُجْرُوه مُجْرَى جيمع المَمَوات قَالُوا قد جَاءَ جوَارِيك وَجَاء نِساؤُك وَجَاء بنَاتُك وَقَالُوا فِيمَا لم يكَسَّر عَلَيْهِ الواحدُ لِأَنَّهُ فِي معنى الْجَمِيع كَمَا قالُوا فِي هَذَا كَمَا قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى جَدُّه: {وَمِنْهُم مَنْ يَسْتَمِعونَ إِلَيْك} [يُونُس ٤٢] {وَقَالَ نِسْوةٌ فِي المَدينة} [يُوسُف: ٣٠] قَالَ الْفَارِسِي: حِين علل حذف الْعَلامَة من الْفِعْل أَعنِي فعلَ الْجَمِيع ولأنَّ هَذِه الجُموعَ كَمَا يعبَّر عَنْهَا بالجَماعة فقد يعَبَّر عَنَّا بالجَمْع والجميع ويدلّ على أَن هَذَا التَّأْنِيث لَيْسَ بِحَقِيقَة أَنَّك لَو سمَّيت رجُلاً بكِلَابٍ أَو كَعَابٍ أَو ظُرُوف أَو عُنُوق صَرَفته وَلَو سميت بعَنَاقٍ أَو أَتَانٍ لم تصرفه وَلذَلِك جَاءَ: {وجاءهُم البَيِّنَاتُ} [آل عمرَان: ٨٦] وَقَالَ تَعَالَى: {إِذا جاءكَ المُؤْمِناتُ يُبَايِعْنَك} [الممتحنة: ١٢] وَلَو قلت قَالَ امرأةٌ لم يستقِمْ لِأَن تَأْنِيث النِّساء والنِّسوة للْجمع كَمَا أَن التَّأْنِيث فِي قَالَت الأعرابُ كَذَلِك فَلَو لم يؤَنّث كَمَا لم يؤنَّث قَالَ نسوةٌ لَكَانَ حسنا وعَلى التَّذْكِير قولُ الفرَزْدق:
(وكُنَّا وَرِثْناه على عَهْدِ تُبَّعٍ ... طَوِيلاً سَوَارِيه شَدِيداً دَعائِمُه)
وَقَالَ فِي إحدَى فَعِيل:
(وَمَا زِلْتُ مَحْمُولاُ عَليَّ ضَغِينةٌ ... ومُضْطَلِعَ الأضْغَانِ مُذْ أَنا يَافِعُ)
وَقَالَ آخر:
(فَلاقَى ابنَ يَبْتَغِي مِثلَ مَا ابْتَغَى ... من القَوْمِ مَسْقِيُّ السِّمَام خَدائِدُهْ)
وَلَو قَالَ الكِلابُ نَبَح والكِعَاب انكسَرَ كَانَ قبيحاً حَتَّى يُلْحِقَ العلامةَ كَمَا قَبُح موعِظةٌ جاءَنَا وَلم يَقْبُح جَاءَنَا مَوْعِظةٌ وَقد جَاءَ فِي الشّعْر:
(فإِمَّا تَرَيْنِي ولِي لِمَّةٌ ... فإنَّ الحَوادِثَ أَوْدَى بهَا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute