(بَلْ جَوْزِ تَيْهاءَ كظَهْر الحَجَفَتْ ... )
وكما قَالَ لَيْس عِندنا عَرَبِيَّتْ وسآتي على تَعْلِيل ذَلِك فِي بَاب الْهَاء إِن شَاءَ الله تَعَالَى ونأخُذ الْآن فِي ذكر الألِف لأنَّه لَا يُنْوَى بهَا الانفصالُ من الإسِم الَّذِي هِيَ فِيهِ كَمَا يُنْوَى ذَلِك فِي الْهَاء أَلا ترى أَن سِيبَوَيْهٍ يجعَل الهاءَ فِي طلحةَ بِإزاء مَوْتض من حَضْرَمَوْتَ فيُعاملُها معاملةَ هَذَا الاسمِ الأخِيرِ من هذَيْن الإِسْمَيْنِ المرَكَّبين فيُجْرِيه مُجْرَاة كنحو تمثيله لَهُ بِهِ فِي بَاب التحقير والنَّسَبِ والترخيمِ وَأما الألِف فالاسمُ مبْنِيُّ عَلَيْهَا فَهِيَ جُزْس مِنْهُ فَكَمَا لَا يُنْوَى بجُزْء من أَجْزاء الِاسْم انْفِصالٌ من الِاسْم كَذَلِك لَا يُنْوَى بِالْألف انفصالٌ من الِاسْم الَّذِي هِيَ فِيهِ وَهَذِه العلامةُ الَّتِي هِيَ الألفُ على ضَرْبَيْنِ ألِفٌ مُفْرَدةٌ وَألف تلحقُ بِناء مختَصًّا بالتأنيث أَو بِنَاء مشتَرَكاً للتأنيثِ والتذكيرِ ونَبْدأُ بالمختصِّ بالتأنيث لِأَن قصدَنا فِي هَذَا الموضِعِ إحصاءُ التأنيثِ بعلاماته وأبنِيتَه وَمَا تختَصُّه ثمَّ نُتْبِعه مَا تلْحَقه من الأبْنِية المشتَرَكة فَمن المخْتَصِّ مَا كَانَ علَى فُعْلَى وَهَذَا الْبناء على ضَرْبَيْنِ أحدُهما أَن تكون الفُعْلَى تأنيثَ الأفْعَل والآخَر أَن تكونَ فُعْلَى لَا يكون مذكَّرُها أفْعَلَ فَإِذا كَانَ الفُعْلَى مذكَّرُه أفْعَلُ لم يُستعْمَل إِلَّا بِالْألف وَاللَّام كَمَا أَن مذَكذَره كَذَلِك وَذَلِكَ قَوْلك الكُبْرَى والأكْبَر والصُّغْرَى والأصْغر والوُسْطَى والأوْسَط والطُّولَى والأطْوَلُ والدُّنْيا والأَدْنَى وَجمع الفُعْلَى هَذِه إِذا كُسِّرت الفُعَلُ كَقَوْلِنَا الكُبَر وَفِي التَّنْزِيل: {إِنَّهَا لإِحْدَى الكُبَر} [المدثر: ٣٥] وَكَذَلِكَ الصُّغَر والطُّوَل والعُلَى وفيالتنزيل: {فأُولئِك لَهُمُ الدَّرَجَاتُ العُلَى} [طه: ٧٥] والفُعْلَى إِذا أُفْرِدت أَو جُمِعت مكسَّرةً أَو بِالْألف والتاءِ لم تُستَعْمَل إِلَّا بِالْألف وَاللَّام أَو بِالْإِضَافَة تَقول الطُّولى والطُّوَل وطُولَاها وقُصْرَاها والطُّولَيَات والقُصْرَيَات وَكَذَلِكَ المذَكَّر أُفْرِد أَو جُمِع فسَلِم أَو كُسِّر وَفِي التَّنْزِيل: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكم بالأخْسَرِينَ أعمالا} [الْكَهْف: ١٠٣] وَفِيه: {واتَّبَعَك الأرْذَلُون} [الشُّعَرَاء: ١١١] وَفِيه: {أكَابِرَ مُجْرِميها} [الْأَنْعَام: ١٢٣] وَفِيه: {وَمَا نَرَاك اتَّبَعَك إلَاّ الَّذِينَ هُمْ أراذِلُنا} [هود: ٢٧] وَفِيه: {إذِ انْبعثَ أشْقاهَا} [الشَّمْس: ١٢] وَقد استعملوا أُخَرَ بِغَيْر ألفٍ وَلَام فَقَالُوا رجل آخَرُ وَرِجَال أُخَرُ وَفِي التَّنْزِيل: {وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ} [آل عمرَان: ٧] وَكَذَلِكَ أُخْرَى وَكَانَ قِيَاس ذَلِك أَن يكون كَمَا تقدّم قَالَ سِيبَوَيْهٍ: سَأَلت الْخَلِيل عَن أُخَرَ فَقلت مَا بالُه لَا يَنْصرِف فِي معرفةٍ وَلَا نكرةٍ قَالَ لِأَن أُخَرَ خَالَفت أخواتِها وَأَصلهَا وَإِنَّمَا هِيَ بمنْزِلة الطُّوَل والوُسَط والكُبَر لَا يكُنَّ صفةٌ إِلَّا وفيهنَّ ألف ولامٌ فتُوصَف بهنَّ المعرفةُ أَلا ترى أَنَّك لَا تَقول نِسوةٌ صُغَرٌ وَلَا هَؤُلَاءِ نِسْوةٌ وُسَطٌ وَلَا هَؤُلَاءِ قومٌ أصاغِرُ فَلَمَّا خَالَفت الأصلَ وَجَاءَت صفة بِغَيْر ألفٍ ولامٍ تركُوا صرْفها كَمَا تركُوا صَرْف لُكَعَ حِين أَرَادوا يَا ألْكَعُ وفُسَقَ حِين أَرَادوا يَا فَاسِقُ قَالَ الْفَارِسِي: وَمن ذَلِك أوّلُ تَقول هَذَا رجلٌ فَلَا تصرف تُرِيدُ أوَّلَ من غَيره فتحذف الجارَّ مَعَ المجرُورِ وَهُوَ فِي تَقْدِير الْإِثْبَات فَلذَلِك لم تَصْرِفْ قَالَ سِيبَوَيْهٍ سَأَلت الخليلَ رَحمَه الله عَن قَوْلهم مُذْ عامٌ أوَّلُ ومُذْ عَام أوّلَ فَقَالَ هاهُنَا صفةٌ وَهُوَ أوَّلُ من عامِك وَلَكِن ألزمُوه هَاهُنَا الحذفَ استِخْفافاً فَجعلُوا هَذَا الحرفَ بِمَنْزِلَة أفضَلُ مِنْك وَقد جَعَلُوهُ اسْما بمنْزِلة أفْكَلٍ وَذَلِكَ قَول الْعَرَب مَا تركتُ لَهُ أوَّلاً وَلَا آخِراً وَقَالُوا أَنا أوَّلُ مِنْهُ وَلم يَقُولُوا رجُل أولُ مِنْهُ فَلَمَّا جَاءَ فِي هذانِ الوجهانِ أجازُوا فِيهِ أَن يكونَ صِفةً وَأَن يكونَ اسْما قَالَ: وعَلى أيِّ الوجْهين جعلتَه اسْما لرجُل صرَفْته فِي النكرَة وَإِذا قلت هَذَا عامٌ أوّلُ فَإِنَّمَا جَازَ هَذَا الكلامُ لِأَنَّك تُعْلِم بِهِ أَنَّك تَعْنِي الْعَام الَّذِي يَليه عامُك كَمَا أَنَّك إِذا قلت أوَّلُ من أمْسِ وَبعد غدٍ فَإِنَّمَا تَعْنِي الَّذِي يَليه أمْسِ وَالَّذِي يَلِيه غَدٌ فَأَما قَوْلهم ابْدأء بِهَذَا أوَّلُ فَإِنَّمَا يريدُون بِهِ أوَّلَ من كَذَا وَلَكِن الْحَذف جَائِز جَيِّد كَمَا تَقول أَنْت أفضَلُ وَأَنت تُرِيدُ أفضَلُ من غَيْرك وَهَذَا مذهبُه أَيْضا فِي قَوْلنَا اللهُ أكبَرُ أَو لَا ترَاهُ ذكره فِي عَقِب قَول سُحَيم بنِ وَثِيل الرِّيَاحي:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute