للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لِأَن الحُرُوف الموقُوفَ عَلَيْهَا تُغَيَّر كثيرا كإبدالِهم الألفَ من التَّنْوِين فِي رَأَيْت زَيداً وَمن الْعَرَب من يجعَلُها فِي الْوَقْف أَيْضا تَاء وعَلى هَذَا قَوْله:

(بَلْ جَوْزِ تَيْهاء كظَهْر الحَجَفَتْ ... )

وَلم يُؤَنَّث بِالْهَاءِ شيءٌ فِي موضِعٍ من كَلَامهم فَأَما قَوْلهم هذِهِ فالهاءُ بدَلٌ من الْيَاء والياءُ مِمَّا يُؤنَّث بِهِ وَكَذَلِكَ الكَسْرة فِي نَحْو أَنْت تَفْعَلِينَ وإنَّك فاعلةٌ وَمِنْهُم من يسَكِّنها فِي الوقْف والوصْل فَيَقُول هذِهْ أمَةُ اللهِ وتاء التَّأْنِيث تدخُل فِي الْأَسْمَاء على سَبْعة أضرُب الأول مِنْهَا دخُولُها على الصِّفات فَرْقاً بَين المذكَّر والمؤنَّث وَذَلِكَ إِذا كَانَت جَارِيَة على الْأَفْعَال نَحْو قائِم وقائِمة وضارِبٍ وضاربَةٍ فالتاءُ فِي الصِّفة هُنَا مثلُ التَّاء فِي قامَتْ وضرَبَت فِي الْفَصْل بَين القَبِلين فَإِذا كَانَ التأنيثُ حَقِيقيًّا لزِمْت فعله هَذِه العَلامةُ فَلم تُحْذَف وَذَلِكَ نَحْو قامتِ المرأةُ وسارتِ الناقةُ وَإِذا كَانَ غيرَ حقيقيّ جَازَ أَن تُثْبَت وَأَن تُحذَف فَمَا جَازَ فِيهِ الأمرَان قَوْله تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكثم فِي رَسُولِ الله أُسْوةٌ} [الْأَحْزَاب: ٢١] وَفِي الأخْرَى: {وأخَذَ الَّذِين ظلَمُوا الصَّيْحةُ} [هود: ٦٧] وَقد تقدم شرحُ هَذَا فِي أوّل هَذَا النَّوْع فأمَّا الصِّفات الَّتِي تجْرِي على المؤَنَّث بِغَيْر هاءٍ نَحْو طالِقٍ وحائِضٍ وقاعِدٍ لليائِسةِ من الولَد ومُرْضِع وعاصِفِ فِي وصف الرِّيح فَمَا جاءَ من ذَلِك بِالتَّاءِ نَحْو طالقةٍ وحائِضةٍ وعاصِفةٍ ومُرْضِعة فَإِنَّمَا ذَلِك لِأَنَّك تُجْرِيه على الفِعل فَمن ذَلِك قولُه تبَارك وَتَعَالَى: {ولسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً} [الْأَنْبِيَاء: ٨١] وَقَالَ تَعَالَى: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعةٍ عَمَّا أرْضَعتْ} [الْحَج: ٢] وَمَا جَاءَ بِلَا هَاء كَقَوْلِه تَعَالَى: {اشتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ} [إِبْرَاهِيم: ١٨] وَقَوله تَعَالَى: (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ} [يُونُس: ٢٢] فَإِنَّمَا ذَلِك لِأَنَّهُ أُرِيد بِهِ النَسبُ وَلم يُجْر على الْفِعْل وَلَيْسَ قولُ من قَالَ فِي نَحْو طالِق وحائِضٍ أنَّه لم يؤنث لِأَنَّهُ لَا [ ... ] للمذكَّر فِيهِ بِشَيْء أَلا تَرَى أَنه قد جَاءَ مَا يشتَرِك النوعانِ فِيهِ بِلَا هاءٍ كَقَوْلِهِم جَمل ضامِر وناقةٌ ضامِرٌ وجَمَل بازِلٌ وناقة بازِلٌ وَهَذَا النحوُ كثير قد أفرد فِيهِ الأصمعيُّ كتابا قَالَ الْأَعْشَى:

(عَهْدِي بهَا فِي الحَيِّ قد سُرْبِلَتْ ... بَيْضاء مثل المُهرةِ الضَّامِرِ)

وَقَالَ تَعَالَى: {تذْهَل كُلُّ مُرْضعة عَمَّا أرْضَعَتْ} [الْحَج: ٢] وَهَذَا لَا يكون فِي المذَكَّر وعَلى هَذَا النَّسَب تأوّل الخليلُ " السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ " كَأَنَّهُ قَالَ ذاتُ انْفِطار وَلم يُرِد أَن تُجْرِيه على الْفِعْل وَكَذَلِكَ قَول الشَّاعِر:

(وَقد نَخِذَتْ رِجْلِي إِلَى جَنْب غَرْزِها ... نَسِيفاً كأُفْحُوص القَطَاةِ المُطرِّق)

وَهَذِه التَّاء إِذا دخَلت على هَذِه الصّفاتِ الجارِيةِ على أفعالها لم يتغيَّر بناؤُها عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ نحوُ قائِم وقائِمةٍ وضارِبٍ وضارِبةٍ ومُكْرِم ومُكْرِمة وَلَيْسَت كالألفين الممدودةِ والمقصُورة الَّتِي تبني عَلَيْهَا الْكَلِمَة نَحْو ذِكْرَى وسَكْرَى وحُبْلَى والصَّحْراء والحَمْراءِ فَإِن قلت فقد قَالُوا زَكَرِيَّا وزَكَرِيُّ فكانتاَ فِي هَذِه كالتاء وَقد حكى أَبُو عبيد غَلبْت العدُوّض غَلَباً وغَلَبةً وغُلُبَّة وَقد قَالُوا الغُلُبَّى وَحكى أَبُو زيد أَيْضا إِنَّه لَجِيَضُّ المِشْيةِ - إِذا كَانَ مُخْتالاً وَحكى غَيره هُوَ يَمْشِي الجِيضَّى - وَهِي مِشْية يُخْتال فِيهَا فَالْقَوْل فِي ذَلِك أَن اللفظَيْنِ وَإِن اتَّفَقا فالتقدير مُخْتلِف وَلَا نُقَدِّر الألفَ داخِلةً على الْكَلِمَة دُخُولَ التاءِ عَلَيْهَا لَو كَانَ كَذَلِك لانْصَرف مَا فِيهِ الألفُ فِي النكرَة كَمَا انصَرف مَا فِيهِ التاءُ وإنَّما ذَلِك كالألفاظ المتَّفِقة على اختِلاف التَّقْدِير كَقَوْلِنَا ناقَةٌ هِجَانٌ ونُوقٌ هِجَانٌ وَفِي الفُلْك المَشْحُون والفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي البَحْر وَقَوْلنَا فِي تَرْخِيم رجُل اسمُه منصورٌ يَا مَنْصُ فالكَسْرة الَّتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>