وَاقعَة على جمَاعَة وَالْجَمَاعَة مُؤَنّثَة وَالثَّلَاث من قَوْلنَا ثَلَاثَة مُذَكّر فأدخلت الْهَاء عَلَيْهِ لتأنيث الْجَمَاعَة وَلَو سمي رجل بِثَلَاث من قَوْلك ثَلَاثَة لانصرف فِي الْمعرفَة والنكرة لِأَنَّهُ يصير محلُّها محلَّ سَحابةٍ وسَحَابٍ وَإِذا سمي بسحابٍ رجلٌ انْصَرف فِي الْمعرفَة والنكرة وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه فصل بَين الْمُؤَنَّث والمذكر بِالْهَاءِ ونزعها لتدل على تَأْنِيث الْوَاحِد وتذكيره فَإِن قَالَ قَائِل فَهَلا أَدْخَلُوا الْهَاء فِي الْمُؤَنَّث ونزعوها من الْمُذكر فَالْجَوَاب فِي ذَلِك: أَن الْمُذكر أخف فِي واحده من الْمُؤَنَّث فثُقِّلَ جمعُه بِالْهَاءِ وخُفِّفَ جمعُ الْمُؤَنَّث ليعتدلا فِي الثِّقَلِ واعم أَن الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة من حكمهَا أَن تُضَاف إِلَّا أَن يضْطَر شَاعِر فينوّن وينصبَ مَا بعده فَيَقُول ثَلَاثَة أثواباً وَنَحْو ذَلِك وَالْوَجْه مَا ذَكرْنَاهُ وتعرف الثَّلَاثَة بِإِدْخَال الْألف وَاللَّام على مَا بعْدهَا فَتَقول ثلاثةُ الأثواب وخمسةُ الأَشْبَارِ قَالَ الشَّاعِر وَهُوَ ذُو الرمة:
(وَهل يَرْجِعُ التسليمَ أَو يَكْشِفُ العَمَى ... ثَلَاثُ الأثافِي والديارُ البَلَاقِعُ)
فَإِن قَالَ قَائِل: فلمَ قَالُوا ثلاثةُ أثوابٍ وعَشْرُ نِسْوَةٍ وَلم يَقُولُوا واحدُ أثوابٍ واثْنَتَا نسوةٍ فَالْجَوَاب فِي ذَلِك أَن الْوَاحِد والاثنين يكون لَهما لفظ يدل على الْمِقْدَار وَالنَّوْع فيستغنى بذلك اللَّفْظ عَن ذكر الْمِقْدَار الَّذِي يُضَاف إِلَى النَّوْع كَقَوْلِك ثوب وَامْرَأَتَانِ فَدلَّ ثوب على الْوَاحِد من هَذَا الْجِنْس ودلت امْرَأَتَانِ على ثِنْتَيْنِ من هَذَا الْجِنْس فاستغنى بذلك عَن قَوْلك واحدُ أَثوَاب وثنتا نسْوَة وَقد جَاءَ فِي الشّعْر قَالَ الراجز:
(كَأَنَّ خُصْيَيْهِ من التَّدَلْدُلِ ... ظَرْفُ عَجُوزٍ فيهِ ثِنْتَا حَنْطَلِ)
أَرَادَ ثِنْتَانِ فأضاف ثنتا إِلَى نوع الحنظل وَأما ثَلَاثَة إِلَى الْعشْرَة فَلَيْسَ فِيهِ لفظ يدل على النَّوْع والمقدار جَمِيعًا فأضيف الْمِقْدَار الَّذِي هُوَ الثَّلَاثَة إِلَى النَّوْع وَهُوَ مَا بعْدهَا وَاعْلَم أَنَّك إِذا جَاوَزت العشرةَ بنيت النَّيِّفَ والعشرةَ إِلَى تِسْعَة عشر فَجَعَلتهمَا اسْما وَاحِدًا كَقَوْلِك أحد عشر وَتِسْعَة عشر وَفتحت الِاسْم الأوّل وَالَّذِي أوجب بناءهما أَن مَعْنَاهُ أحد وَعشرَة وَتِسْعَة وَعشرَة فنزعت الْوَاو وَهِي مقدّرة وَالْعدَد مُتَضَمّن لمعناها فَبُنيا لتضمنهما معنى الْوَاو وَجعلا كاسم وَاحِد فاختير الْفَتْح لَهما لِأَن الثَّانِي حِين ضم إِلَى الأول صَار بِمَنْزِلَة تَاء التَّأْنِيث يفتح مَا قبلهَا وَفتح الثَّانِي لِأَن الْفَتْح أخف الحركات وَلِأَن يكون مثل الأول لِأَنَّهُمَا اسمان جعلا اسْما وَاحِدًا فَلم يكن لأَحَدهمَا على الآخر مزيةٌ فَجَرَيا مجْرى وَاحِدًا فِي الْفَتْح وَقد قُلْنَا إِن الَّذِي أوجب فتح الأول هُوَ ضم الثَّانِي إِلَيْهِ وإجْراء الثَّانِي مُجْراه لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحدهمَا أولى بِشَيْء من الحركات من الآخر وانتصب مَا بعدهمَا من قبل أَن فيهمَا تَقْدِير التَّنْوِين وَلَا يَصح إِلَّا كَذَلِك إِذْ تَقْدِيره خَمْسَة وَعشرَة فالخمسة لَيْسَ بعْدهَا شَيْء أضيفت إِلَيْهِ فَوَجَبَ أَن تكون منونة وَالْعشرَة مَحَلُّها محلُّ الخمسةِ فَكَانَت منونةً مثلهَا وَأَيْضًا فَإِذا لم نر شَيْئَيْنِ جعلا اسْما وهما مضافان أَو أَحدهمَا مُضَاف فَوَجَبَ نصب مَا بعدهمَا للتنوين الْمُقدر فيهمَا وَجعل مَا بعدهمَا وَاحِدًا منكوراً أما جعلنَا لَهُ وَاحِدًا فلأنهما قد دلا على مِقْدَار الْعدَد وَبَقِي الدّلَالَة على النَّوْع فَكَانَ الواحدُ مِنْهُ كَافِيا إِذْ كَانَ مَا قبله دلّ على الْمِقْدَار وَالْعدَد وَأما جعلنَا إِيَّاه منكوراً فَلِأَن النكرَة شائعة فِي جِنْسهَا وَلَيْسَت بِبَعْض الْجِنْس أولى مِنْهُ بِبَعْض فَكَانَت أشكلَ بِالْمَعْنَى الَّذِي أريدت لَهُ من الدّلَالَة على الْجِنْس وأدخَل فِيهِ من غَيرهَا فَبُيِّنَ بهَا النوعُ الَّذِي احْتِيجَ إِلَى تبيينه وَذَلِكَ قولُك أَحَدَ عَشَرَ رجلا وخمسَ عشرةَ امْرَأَة فَأَما الْمُذكر فَإنَّك تَقول أَحَدَ عَشَر رجلا وَاثنا عشر رجلا وثلاثَةَ عَشَر رَجلاً إِلَى تسعةَ عَشَر رَجلاً فَأَما أحد فالهمزة فِيهِ منقلبة من وَاو وَقد أبنتُ ذَلِك وأوضحته بشرح الْفَارِسِي وَكَذَلِكَ إِحْدَى عشرَة وَقد أبنتها هُنَاكَ وَأما اثْنَا عشر فَمَا بعْدهَا فقد أبنتها فِي المبنيات بغاية الشَّرْح فَلَا حَاجَة بِنَا إِلَى إِعَادَتهَا هُنَا وَأما ثنتا عشرَة فَفِيهَا لُغَتَانِ ثِنْتَا عَشْرَةَ واثنتا عشرَة فَالَّذِي قَالَ اثْنَتَا عشرَة بناه على الْمُذكر فَقَالَ للمذكر اثْنَان وللمؤنث اثْنَتَانِ كَمَا تَقول ابْنَانِ وابنان وَالَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute