عوضا من الْمَحْذُوف وَاعْلَم أَن عشْرين وَنَحْوهَا رُبمَا جُعِلَ إعرابُها فِي النُّون وَأكْثر مَا يَجِيء ذَلِك فِي الشّعْر فَإِذا جعل كَذَلِك ألزمت الْيَاء لِأَنَّهَا أخف من الْوَاو كَمَا فعلوا ذَلِك فِي سِنين إِذا جعلُوا إعرابها فِي النُّون قَالُوا: أتَتْ عَلَيْهِ سِنينٌ قَالَ الشَّاعِر:
(وإِنَّ لَنَا أَبا حَسَنٍ عَلِيًّا ... أَبٌ بَرٌ ونحنُ لَهُ بَنِينُ)
وَأنْشد لغيره:
(أَرَى مَرُّ السَّنِينَ أَخَذَنْ مِنِّي ... كَمَا أَخَذَ السِّرارُ من الهِلَالِ ... )
وَقَالَ سُحَيْمٌ:
(وماذا تَدَّرِي الشَّعراءُ مِنِّي ... وَقد جاوزتُ رأسَ الأَرْبَعِينِ)
(أَخُو خَمْسِينَ مُجْتَمَعٌ أَشُدَّي ... وَنَجَّذَنِي مُدَاوَرَةُ الشُّؤُونِ)
هَذَا عَامَّة قَول الْبَصرِيين أَنه مَتى لزم النُّون الإعرابُ لزم الياءُ وَصَارَ بِمَنْزِلَة قِنِّسْرين وغِسْلِينٍ وَأكْثر مَا يَجِيء هَذَا فِي الشّعْر وَقد زعم بَعضهم أَنه قد يجوز أَن يلْزم الواوُ وَإِن كَانَ الإعرابُ فِي النُّون وَزعم أَن زَيْتُوناً يجوز أَن يكون فَيْعُولاً وَيجوز أَن يكون فَعْلُوناً وَهُوَ إِلَى فَعْلُونٍ أقربُ لِأَنَّهُ من الزَّيْتِ وَقد لزم الْوَاو وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: لَو سمي رجل بمُسْلِمين كَانَ فِي وَجْهَان: إِن جعلت الإعرابَ فِي الْوَاو فتحتَ النونَ على كل حَال وجعلتَ فِي حَال الرّفْع واواً فِي حَال النصب والجر يَاء كَقَوْلِك جَاءَنِي مُسلمُونَ وَرَأَيْت مُسلمين ومررت بمسلمين فَهَذَا مَا ذكره وَلم يزدْ عَلَيْهِ شَيْئا وَقد رَأينَا فِي كَلَام الْعَرَب وَأَشْعَارهَا بالرواية الصَّحِيحَة وَجها آخر وَهُوَ أَنهم إِذا سموا بِجمع فِيهِ وَاو وَنون فقد يلزمون الواوَ على كل حَال ويفتحون النونَ وَلَا يحذفونها فِي الْإِضَافَة فكأنهم حكوا لفظ الْجمع الْمَرْفُوع فِي حَال التَّسْمِيَة وألزموه طَريقَة وَاحِدَة قَالَ الشَّاعِر:
(ولَهَا بالماطِرُونَ إذَا ... أَكَلَ النَّمْلُ الَّذِي جَمَعَا)
فَفتح نُونَ الماطرونَ وَأثبت الْوَاو وَهُوَ فِي مَوضِع جر وَالْعرب تَقول اليَاسَمُونَ فِي حَال الرّفْع وَالنّصب والجر وَيَقُولُونَ ياسَمُونَ البَرِّ فيثبتون النُّون مَعَ الْإِضَافَة ويفتحونها وَمِنْهُم من يرويهِ بالمَاطِرون ويُعَرِبُ الياسَمُونَ وَكَذَلِكَ الزَّيْتُونَ وَهُوَ الأجود فَإِذا زِدْت على الْعشْرين نَيِّفاً أعربته وعطفتَ العِشْرِين عَلَيْهِ كَقَوْلِك أخذتُ خَمْسَة وَعشْرين وَهَذِه ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ لِأَنَّهُ لَا يَصح أَن يبْنى اسْم مَعَ اسْم وَأَحَدهمَا مُعرب وَلم يَقع الآخر فِي شَيْء مِنْهُ كوقوع عَشر فِي مَوضِع النُّون من اثْنَي عشر وتنصب مَا بعد الْعشْرين إِلَى تسعين وتوحد وتنكر وَالَّذِي أوجب نَصبه أَن عشْرين جمعٌ فِيهِ نون بِمَنْزِلَة ضاربين وَيجوز إِسْقَاط نونه إِذا أضيف إِلَى مَالك كَقَوْلِك هَذِه عشر زيد وَعِشْرُونَ تطلب مَا بعْدهَا وتقتضيه كَمَا أَن ضاربين يطْلب مَا بعده ويقتضيه فتنصب مَا بعد الْعشْرين كَمَا نصبت مَا بعد الضاربين من الْمَفْعُول الَّذِي ذَكرْنَاهُ إِلَّا أَن عشْرين لَا يعْمل إِلَّا فِي منكور وَلَا يعْمل فِيمَا قبله لِأَنَّهُ لم يقو قوَّة ضاربين فِي كل شَيْء لِأَنَّهُ اسْم غير مُشْتَقّ من فعل فَلم يتَقَدَّم عَلَيْهِ مَا عمل فِيهِ لِأَنَّهُ غير متصرف فِي نَفسه وَلم يعْمل إِلَّا فِي نكرَة من قِبَلِ أَن الْمَعْنى فِي عشْرين درهما عشرُون من الدَّرَاهِم فاسْتَخَفُّوا وَأَرَادُوا الِاخْتِصَار فحذفوا مِنْ وجاؤوا بِوَاحِد منكور شَائِع فِي الْجِنْس فَدَلُّوا بِهِ على النَّوْع وَلَا يجوز أَن يكون التَّفْسِير إِلَّا بِوَاحِد إِذْ كَانَ الْوَاحِد دَالا على نوع مُسْتَغْنًى بِهِ فَإِذا أردْت أَن تجمع جماعاتٍ مختلفةٌ جَازَ أَن تفسر الْعشْرين وَنَحْوهَا بِجَمَاعَة فَتكون عشرُون كلُّ وَاحِد مِنْهَا جماعةٌ ومثلُ ذَلِك قولُك قد التقى الخَيْلَانِ فَكل وَاحِد مِنْهُمَا جمَاعَة خيل فعلى قَوْلك هَذَا تَقول التقى عشرُون خيلاً على أَن كل وَاحِد من الْعشْرين خيلٌ قَالَ الشَّاعِر:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute