وجَلْبَب، أَبُو عبيد فَأَما قَوْله تَعَالَى بدَمِ كَذِب فَإِنَّهُ وَصْف بِالْمَصْدَرِ كالعَدْل والرِّضا - أَي بدمٍ مَكْذُوب، أَبُو عبيد، رجل كُذَبةٌ - كَذُوب، أَبُو حَاتِم، رجل كَذْبانُ وكَذُوب وَفِي الْمثل (إِذا كُنْت كَذُوبا فكُنْ ذَكورا) وَهُوَ الرجل يَكْذِب القَوم ثمَّ يَنْسَى ذَلِك يُحَدِّثهم بِخلاف ذَلِك حَتَّى يَعْرِفُوا أَنه كَذُوب - يَقُول الزْمَ كلامَك الأّوَّل تُغَيِّره فتَفْتَضِحَ وَأنْشد: وَإِذا سَمِعتَ بأنَّنِي قد بعْتُهم بوِصَالِ غانِيَةٍ فُقْل كُذُّبْذُب قَالَ أَبُو عَليّ، قَالَ أَبُو زيد فِي تَفْسِير كُذُّبْذُبِ كاذِب وَقَالَ أَبُو عَمْرو كَذِب فَهُوَ على قَول أبي زيد صِفَة وعَلى تَفْسير أبي عَمْرو اسْم فيكونُ المبتدأُ المضْمَر على قَول أبي زيد القائِلُ ذَاك كاذِبٌ وعَلى قَول أبي عَمْرو فقُلْ مَا سِمعْتُ كَذِب وَهَذِه الْكَلِمَة تُحْكَى فِيمَا شَدَّ عَن سِيبَوَيْهٍ من لأَبْنِية وَلَوْلَا ثِقَةُ أبي زيد وسُكونُ النفسِ إِلَى مَا يَرْويه لَكَانَ رَدُّها وَجْهاً لكَونهَا على ملا نَظِيرَ لَهُ أَلا ترى أَن العيْنَ إِذا تَكَرَّرت مَعَ اللَّام فِي نَحْو صَمَحْمَح لَا تُكَرَّرُ إِلَّا مرَّتين وَقد تكرَّرت فِي هَذِه ثَلَاثًا ومَعَ ذَلِك فقد قَالُوا مَرْمَرِيس وتَكَرِّرَت الفاءُ مَعَ الْعين فِيهَا وَلم تَتكرَّر مَعَ غَيرهَا وَلم يلْزم من أجل ذَلِك أَن يُرَدَّ وَلَا يُقْبَل فَكَذَلِك مَا رَوَاه أَبُو زيد من هذِه الْكَلِمَة والكَذِبُ ضَرْب من القَوْل وَهُوَ نُطْق كَمَا أَن القَوْل نُطْق فَإِذا جَازَ فِي القَوْل الَّذِي الكَذِب ضَرْب مِنْهُ أَن يُتَّسع فِيهِ فَيُجعلَ غير نُطْق نَحْو: وقالَتِ الأَنْسَاع للبَطْنِ الحْقِ كَذَلِك يَجُوز أَن يُجْعل فِي الْكَذِب غيْرَ نُطْق فِي قَوْله، كَذَبَ القَرَاطِفُ والقُرُوفُ، فيَكُون فِي ذَلِك انِتْفاء لَهَا كَمَا أَنه إِذا أخْبَر عَن الشَّيْء بِخِلَاف مَا هُوَ بِهِ كَانَ انْتِفاء الصِّدْق فِيهِ فعلى هَذَا قَالَ كَذَبَ القَرَاطِفُ - أَي هُوَ مُنْتفٍ لَيْسَ وُجُود كَمَا أَن كَذَبَ فِي الْخَبَر على ذَلِك يَقُول فأوجِدوُها بالغَارَة وَكَذَلِكَ كَذَب عليْكُم العَسَلُ وحَمَل فَلم يُكَذِّب - أَي لم يَجْعَلِ الحَمْلَة فِي غير حُكْم الحَمْلة ولكِنَّه أوْجدَها فأوْقَعها وَقَالُوا حَمَل عَلَيْهِ ثمَّ أكْذَب يَعْنُون كَذَب وعَلى هَذَا قَالُوا حَمْلَة صادِقَة وصَدَق القومُ القِتالَ قَالَ: فِإنْ يَكُ ظَنِّي صادِقِي وهْو صادِقِي فَكَمَا وصفوه بالكَذِب وَصَفوه بِخلافة الَّذِي هُوَ الصِّدْق وَكَذَلِكَ قَالُوا لَيْس لوِقْعَتِها كاذِبَة - أَي هِيَ واقِعَة غيْرُ منْتَفٍ كَوْنُها والكاذِبَة يُشْبِه أَن تَكونَ مَصْدراً كالعاقِبَة والفِعْل الَّذِي هُوَ كَذَبَ من قَوْلهم كَذَب عَليْك الأَمْر فِي هَذَا النَّحْو يَنْبَغِي أَن يكون الْفَاعِل مُسْنَدا إِلَيْهِ وَعَلَيْك مُعَلَّقة بِهِ فأمَّا مَا رُوى من قَول من نَظَر بَعِيرٍ نِضْو فَقَالَ لصاحِبِه كَذَبَ عَليْك البِزْرَ والنَّوَى بِنصب البِزْر فإنَّ عَلَيْك لَا تَتَعلَّق فِيهِ بكَذَب وَلكنه يكون اسمَ الفِعْل وَفِيه ضَمِير المُخَاطَب كَأَنَّهُ قَالَ كَذَب السِّمَنُ - أَي انتَفَى من بَعِيرك فأَوجِدْه بالبِزْر والنَّوَى وهما مَفْعولاً عَلَيْك وأضْمَر الفاعِلَ لدِلالة الْحَال عَلَيْهِ من مُشَاهدةِ عَدَمه فَهَذَا الأَصْل فِي هَذِه الكَلِمة وَلَيْسَ كَمَا ذكر بعضُ رُوَاة أهل اللُّغة أَن كَذَب تَجِيء زِيَادَة فِي الحَدِيث فَأَما قَول عَنْترة: كَذَب العَتِيقٌ وَمَاء شَنٍ بارِدٌ إنْ كُنْتِ سائِلَتِي غَبُوقا فاذْهَبِي فَإِن شِئْت قُلْت فِيهِ إِن مَعْنى كذَب أَنه لَا وجُودَ للعَتِيق الَّذِي هُوَ التمرُ فاطلُبِيه فَإِن لم تَجِدي التَّمر فَكيف تجِدينَ الغَبُوق وَإِن شئتَ قلتَ إِن الكَلِمة لَمَّا كَثُر استِعْمالُها فِي الإِغْراء بالشيءِ والبَعْثِ على طَلَبه وإيجَادِه صَار
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute