(كأنَّ العَيسَ حينَ أُنِخْنَ هَجْراً ... مُفَقَّأةٌ نَوَاظِرُها سَوَامِ)
أَبُو عبيد هَجَّر الرجلُ وأهْجَرَ خَرجَ بالهاجرة أَبُو حنيفَة سميت الهاجِرَةُ هاحِرَةً لِهَرَبِ كُلَّ شَيْء مِنْهَا ابْن السّكيت الظَّهِيرةُ فِي القَيْظِ حِين تكونُ الشمسُ بحِيَال رأسِك وتَرْكُدُ ورُكُودُها أَن تَدُوم حِيَال رأسِكَ كَأَنَّهَا لَا تُرِيدُ أَن تَبْرَحَ وَقد رَكَدَتْ وتَرَكَّدَت وارْكَدَّت أَبُو حنيفَة وَكَذَلِكَ وَقَفَتْ ودَوَّمَتْ صَاحب الْعين الظُّهْرُ سَاعَة الزوالِ وَلذَلِك قيل صلاةُ الظُّهْر ابْن السّكيت أتيتُه فِي حرِّ الظَّهِيرة أَبُو عُبَيْدَة أَتَانَا مُظْهِراً ومُظَهِّراً والتخفيفُ الوَجْهُ إِذا جَاءَ فِي الظهيرة وَبِه سُمِّيَ الرجُل مُظْهِراً والظَّاهِرَةُ نِصْف النَّهار وَمِنْه ظاهرةُ الوِرْدِ وَهِي أَن تَردَ الإبلُ كلَّ يومٍ نِصْفَ النَّهارِ ابْن السّكيت أتيتُه حِين قَامَ قَائِمُ ظُهْرٍ وَذَلِكَ إِذا أتيتَ فِي الظَّهيرة وأتيتُه ظُهْراً صَكَّة عُمَيّ وأعْمَى إِذا أتَيْتَه فِي الظَّهِيرَةِ أَبُو عبيد لقيتُه صَكَّةَ عُمَيّ وَهُوَ أشدُّ الهاجِرَة حَرًّا أَبُو حنيفَة أَي حِينَ كَاد الحَرُّ أَن يُعْمِيَ من شَدَّتِهِ وَلَا يُقَال فِي البَرْد وَقيل حِين يقومُ قائمُ الظَّهِيرة وَقيل عُمَيٌّ الحَرُّ بعَيْنِه وَقيل عُمَيٌّ رجلٌ من عَدْوانَ كَانَ يُفْتِي فِي الحَج فأَقْبَلَ مُعْتَمِراً وَمَعَهُ رَكْبٌ حَتَّى نزلُوا بعضَ الْمنَازل فِي يَوْم شَدِيد الحَرِّ فَقَالَ عُمَيٌّ من جَاءَتْ عَلَيْهِ هَذِه الساعةُ من غَدٍ وَهُوَ حرامٌ لم يَقْضِ عُمْرَتَه فَهُوَ حرامٌ إِلَى قابِلِ فَوَثَبَ الناسُ يَضْرِبونَ حَتَّى وافُوا البيتَ وَبينهمْ وَبَينه من ذَلِك الْموضع ليلتان جادَّتانِ فضُرِب مثلا قَالَ الْفَارِسِي قولُهم أَتَانَا صَكَّة عُمَي إِذا أتَى فِي الهاجِرَةِ وشِدَّة الحَرِّ وَيحْتَمل عندنَا تأويلين أَحدهمَا أَن يكون المصدَرُ أُضِيفَ إِلَى العُمَيّ كَمَا قَالُوا ضَرْبُ التَّلَفِ أَي الضَّرْب الَّذِي يَحْدُثُ عَن التّلف ويقوِّي ذَلِك أَنه قد جَاءَ فِي الشّعْر
(وَيَهْجُمُهَا بارحٌ ذُو عَمّي ... )
أَي بارحٌ يكونُ عَنهُ العَمَى لشدَّة حره وَيُمكن أَن يكون العُمَيُّ تَصْغِير أعْمَى على وَجه التَّرْخِيم وأضيف المصدرُ إِلَى الْمَفْعُول بِهِ كَقَوْلِه تَعَالَى {من دُعاء الخيرِ} {فصلت ٣٩} وَلم يذكر الْفَاعِل الَّذِي هُوَ الْحر وَالتَّقْدِير صَكَّ الحَرِّ الأعْمَى وَالْمعْنَى أَن الْحر من شِدَّته كَأَنَّهُ يُعْمِى من أَصَابَهُ والمصدرُ فِي الْوَجْهَيْنِ ظرفٌ نَحْو مَقْدَم الْحَاج وخُفُوقِ النَّجْم ابْن الْأَعرَابِي لقيتُه صَكَّة عُمَيْ وَذَلِكَ أَن الظَّبْيَ إِذا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الحَرُّ طلَب الكِنَاسَ وَقد بَرِقَتْ عينُه من بَيَاض الشَّمْس ولَمَعَانِها فيَسْدَرُ بَصَرُه حَتَّى يَصُكَّ بِنَفسِهِ الكِنَاس لَا يُبْصِرُه فكأنَّ الحَرَّ صَكَّهُ إِلَى هَذَا الْموضع أَبُو عبيد عَقَلَ الظَّلُ إِذا قامَ قائمُ الظَّهِيرة وأعْقَلَ القومُ عَقَلَ لَهُم الظِّلُّ صَاحب الْعين التُّبَّع الظِّلُّ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الشمسَ وَحكى سيوبه التُّبُّع وَفَسرهُ السيرافي فَقَالَ هُوَ الظل وَأنْشد بَيت الهّذَلِيِّ باللغتين جَمِيعًا
(يَرِدُ المِياهُ حَضِيرَةً ونَفِيضةً ... وِرْدَ القَطَاةِ إِذا اسْمَأَلَّ التُّبَّعُ)
ابْن السّكيت القائلةُ النّزُول والحَطُّ عَن الْجَواب والاسْتِظلال يُقَال أَتَانَا عِنْد القائلة وَعند قَيْلُولَتِنَا ومَقِيِلَنا وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ مستشهداً على أَن المَفْعِل قد يكون مصدرا
(بُنِيَتْ مَرَافِقُهُنَّ فَوْقَ مَزَّلةْ ... لَا يَسْتَطِيعُ بهَا القُرَادُ مَقيلا)
أَي قَيْلُولَةً قَالَ الْفَارِسِي وَفِي بعض النّسخ كَمَا قَالَ الله تعالي {إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ} {الْمَائِدَة ٤٨} أَي رُجُوعُكُم قَالَ وَهَذَا مَوْقُوف عنالعرب وأطرده أَبُو إِسْحَاق وَذَلِكَ خطأ أَلا ترى أَن سِيبَوَيْهٍ قَالَ بعد هَذَا إِلَّا أَن تَفْسِير الْبَاب وجُمْلَته على الْقيَاس كَمَا أريْتُكَ ابْن السّكيت رجل قائلٌ وَقوم قُيَّلٌ وَأنْشد
(إِن قَالَ قَيْلٌ لم أقِلْ فِي القُيَّلِ ... )
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute