للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقارن بين الأمرين فَإِنَّ كَانَ ذا عقل راجح آثر الآخِرَة على الدُّنْيَا وأيضًا لابد من قطع التسويف وطول الأمل حَتَّى يحس أنه فِي غربة وأنه مسافر عَنْ هَذِهِ الدار وأنه سيرحل عَنْهَا فِي أَيَّةِ ساعةٍ رغم أنفه شاء أم أبى.

شِعْرًا: ... وَكُلُّ حَيٍّ وَإِنْ طَالَتْ سَلامَتُهُ ... يَوْمًا عَلَى آلةٍ حَدْبَاء مَحْمُول

آخر: ... وَكُلُّ حَيٍّ وَإِنْ طَالَتْ سَلامَتُهُ ... يَوْمًا لَهُ مِنْ دَوَاعِي الْمَوْتِ تَثْوِيبُ

وَإِن وسوس لَهُ الشيطان وألقى فِي روعه إِنَّكَ شاب قوي موفور الصحة مشدود أسرك وَفِي إمكانك الرجوع إِلَى الطاعة والإقبال إِلَى الآخِرَة فليطرد وساوسه باستحضار الَّذِينَ رحلوا شبابًا وكهولاً وهم الآن تحت الثرى.

شِعْرًا: ... يُعَمَّرِ وَاحِدٌ فَيَغُرُّ أَلْفًا ... وَيُنْسَى مَنْ يَمُوتُ مِن الشَّبَابِ

آخر: ... لا تَغْتَزِرْ بِشَبَابٍ نَاعِمٍ خَضِلٍ ... فَكَمْ تَقَدَّمَ قَبْلَ الشَّيْبِ شُبَّانُ

ويخَرَجَ إِلَى المقابر ويتفكر فيمن جمعوا الأموال وقتلوا أوقاتهم فِي طلبها واتعبوا أبدانهم وأنهم سيحاسبون عَلَيْهَا، ويفكر فيمن تعود عَلَيْهمْ بعده ربما أنهم لا يذكرونه بخَيْر ويتمنون موته فلماذا يحرق نَفْسهُ فِي جمعها لَهُمْ.

شِعْرًا: ... وقَدْ يُورِثُ الْمَال الْبَعِيدَ مُظَلَّلٌ ... مِن النَّاس يَأْبَى وَضَعْه فِي الْقَرَائِب

آخر: ... فَمَا تَزَوَّدَ مِمَّا كَانَ يَجْمَعُه ... سِوَى حَنُوطٍ غَدَاةَ الْبَيْنِ فِي خِرَقِ

وَغَيْرَ نَفْخَةِ أَعْوَادٍ تُشَبُّ لَهُ ... وَقَلَّ ذَلِكَ مِنْ زَادٍ لِمُنْطَلِقِ

آخر: ... شَقِيتُ بِمَا جَمَعْتُ فَلَيْتَ شِعْرِي ... وَرَائِي مَنْ يَكُونَ بِهِ سَعِيدَا؟!

أُعَايِنُ حَسْرَةً أَهْلِي وَمَالِي ... إِذَا مَا النَّفْسُ جَاوَزَتِ الْوَرِيدَا

أُعِدُّ الزَّادَ مِنْ تَقْوَى فَإِنِّي ... رَأَيْتُ مَنِيَّتِي السَّفَرَ الْبَعِيدَا

تَبَدَّل صَاحِبي فِي اللَّحْدِ مِنِّي ... وَهَالَ عَلَى مَنَاكِبَى الصَّعِيدَا

فَلَوْ أَبْصَرْتَنِي مِنْ بَعْدِ عَشْرٍ ... رَأَيْتَ مَحَاسِنِي قَدْ صِرْنَ دُودَا

وَحِيدًا مُفْرِدًا يَا رَبِّ [لُطْفًا] ... بِعَبْدِكَ حِينَ مَا يُتْرَكْ وَحِيدَا

<<  <  ج: ص:  >  >>