للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا قصر أمله فِي الحياة انَبْعَث إِلَى التجهز للآخرة بعمل الطاعات إذ لا يدري متى ينادى عَلَيْهِ بالرحيل فإذا تخلص من التعلق بالدُّنْيَا وأفرغ ما فِي قَلْبهُ من سمومها وأقبل على الآخِرَة أحس بغربة شديدة فِي الدُّنْيَا ولكن مَعَ خفة فِي روحه وإقبال شديد على مراضي الله وعلى رأسها الدعوة إليه وهداية الحيارى من عباد الله.

لا يعوقه عَنْ ذَلِكَ عائقٌ من تعبٍ ولا نصبٍ ولا سفرٍ ولا سهرٍ ولا بذلٍ ولا تضحيةٍ لأن ذَلِكَ كله من الزَّاد المؤكد نفعه وفائدته فِي سفره الطويل الْبَعِيد إِلَى الآخِرَة بل إنه سيعقب تعبه راحةٌ وألمه لذة وَفِي بذله ربحًا وَفِي تضحيته عوضًا مضمونَا.

وَفِي وصية الإِمَام علي بن أبي طالب لابنه الحسن أحي قلبك بالموعظة وأمته بالزهادة وقوه باليقين ونوره بالحكمة وَذَلِلّهُ بذكر الموت وقرره بالفناء وبصره بفجائع الدُّنْيَا وحذره صولة الدهر وفحش تقلب الليالي والأَيَّامُ وأعرض عَلَيْهِ أخبار الماضين وذكره بما أصاب من كَانَ قبلك من الأولين وسر فِي ديارهم وآثارهم وانظر فيما فعلوا وعما انتقلوا وأين حلوا ونزلوا فإنك تجدهم قَدْ انتقلوا عَنْ الأحبة وحلوا فِي دار غربة وكأنك عَنْ قليل قَدْ صرت كأحدهم فأصلح مثواك ولا تبع أخرتك بدنياك إِلَى أن قَالَ: يَا بني أكثر من ذكر الموت وذكر ما تهجم عَلَيْهِ وتفضي بعد الموت إليه حَتَّى يأتيك وقَدْ أخذت وشددت لَهُ أزرك ولا يأتيك بغتة فيبهرك وَإِيَّاكَ أن تغتر بما تَرَى من إخلاد أَهْل الدُّنْيَا إليها وتكالبهم عَلَيْهَا فقَدْ نبأك الله عَنْهَا ونعت لَكَ نفسها وتكشف لَكَ عَنْ مساويها فَإِنَّ أهلها كلاب عاوية وسباع ضارية يهر بعضها بَعْضًا أي ينبح بعضها على بَعْض ويأكل عزيزها ذليلها ويقهر كبيرها صغيرها نَعَمٌ معلقة وأخرى مهملة قَدْ أضلت عقولها وركبت مجهولها سروح عاهة لَيْسَ راع يقيمها ولا مقيم يَسِيسُهَا سلكت بِهُمْ الدُّنْيَا طَرِيق العمى وأخذت

<<  <  ج: ص:  >  >>