يجدون لشيء من ذَلِكَ ألَمًا، ولا يرون فِي نفقه مغرمًا، ولا شَيْء أحب إليهم مِمَّا قربهم من منزلهم، وأدناهم عَنْ محلهم.
ومثل من اغتر بها كمثل قوم كَانُوا بمنزل خصيب، فَنَبَا بِهُمْ إِلَى منزل جديب، فلَيْسَ شَيْء أكره إليهم ولا أفظع عندهم من مفارقة ما كَانُوا فيه إِلَى ما يهجمون عَلَيْهِ ويصيرون إليه.
يا بني.. اجعل نفسك ميزانًا فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره لَهُ ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك، وارض من النَّاس بما ترضاه لَهُمْ من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم وإن قل ما تعلم، ولا تقل ما لا تحب أن يقَالَ لَكَ.
وَاعْلَمْ أن الإعجاب ضد الصواب وآفة الألباب، فاسع فِي كدحك ولا تكن خازنًا لغيرك، وَإِذَا هديت لقصدك، فكن أخشع ما تَكُون لربك.
واعْلَمْ أن أمامك طريقًا ذا مسافة بعيدة ومشقة شديدة، وأنه لا غنى لَكَ فيه عَنْ حسن الارتياد، قَدْرَ بلاغك من الزَّاد مَعَ خفة الظهر، فلا تحملن على ظهرك فوق طاقتك فيكون ثقل ذَلِكَ وبالاً عَلَيْكَ.
وَإِذَا وجدت من أَهْل الفاقة من يحمل لَكَ زادك إِلَى يوم القيامة، فيوافيك به غدًا حيث تحتاج إليه فاغتنمه وحمله إياه، وأكثر من تزويده وأَنْتَ قادر عَلَيْهِ، فلعلك تطلبه فلا تجده، واغتنم من استقرضك فِي حال غناك، ليجعل قضاءه لَكَ فِي يوم عسرتك.
واعْلَمْ أن أمامك عقبة كؤودًا، المخف فيها أحسن حالاً من المثقل، والمبطي عَلَيْهَا أقبح حالاً من المسرع، وأن مهبطك بها لا محالة على جنة أَوْ على نار، فارتد لنفسك قبل نزولك، ووطئ المنزل قبل حلولك، فلَيْسَ بعد الموت مستعتب، ولا إِلَى الدُّنْيَا منصرف.