للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنك طريد الموت الَّذِي لا ينجو منه هاربه، ولا بد أنه مدركه، فكن منه على حذر إن يدركك وأَنْتَ على حال سَيِّئَة قَدْ كنت تحدث نفسك مَنْهَا بالتوبة، فيحول بينك وبين ذَلِكَ، فإذا أَنْتَ قَدْ أهلكت نفسك.

يا بني.. أكثر من ذكر الموت، وذكر ما تهجم عَلَيْهِ، وتفضي بعد الموت إليه، حَتَّى يأتيك وقَدْ أخذت منه حذرك، وشددت لَهُ أزرك، ولا يأتيك بغتة فيبهرك، وَإِيَّاكَ أن تغتر بما تَرَى من إخلاد أَهْل الدُّنْيَا إليها، وتكالبهم عَلَيْهَا.

فقَدْ نبأك الله عَنْهَا ونَعَتَتْ لَكَ نفسها، وتكشفت لَكَ عَنْ مساويها، فَإِنَّ أهلها كلاب عاوية وسباع ضارية، يهر بعضها بَعْضًا، ويأكل عزيزها ذليلها، ويقهر كبيرها صغيرها.

نعم معقلة، وأخرى مهملة، قَدْ أضلت عقولها، وركبت مجهولها، سروح عاهة بواد وعث. لَيْسَ لها راع يقيمها، ولا مقيم يسميها، سلكت بِهُمْ الدُّنْيَا طَرِيق العمى، وأخذت بأبصارهم عَنْ منار الهدى، فتاهوا فِي حيرتها، وغرقوا فِي نعمتها، واتخذوها ربًّا فلعبت بِهُمْ ولعبوا بها، ونسوا ما وراءها.

رويدًا يسفر الظلام، كَأنْ قَدْ وردت الأظغان، يوشك من أسرع أن يلحق، واعْلَمْ أن من كانت مطية الليل والنهار فإنه يسار به وإن كان واقفًا ويقطع المسافة وإن كان مقيمًا وادعًا.

واعلم يقينا إِنَّكَ لن تبلغ أملك، ولن تعدو أجلك، وإنك فِي سبيل من كَانَ قبلك فخفض فِي الطلب، وأجمل فِي المكتسب فانه رب طلب قَدْ جر إلى حرب، فلَيْسَ كُلّ طالب بمرزوق، ولا كُلّ مجمل بمحروم، وأكرم نفسك عَنْ دنية، وان ساقتك إِلَى الراغائب، فانك لن تعتاض بما تبذل

<<  <  ج: ص:  >  >>