للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحسبن أني أردت توبيخك أَوْ تعييرك وتعنيفك، ولكني أردت أن تبنش ما فات من رأيك، وترد ما عزب عَنْكَ من حلمك، وذكرت قوله تَعَالَى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} .

أغفلت ذكر من مضى من أسلافك وأقرانك، وبقيت بعدهم كقرن أعضب، فَانْظُرْ هل ابتلوا بمثل ما ابتليت به، أَوْ دخلوا فِي مثل ما دخلت فيه، هل تراه إِدَّخَرَ لَكَ خيرًا منعوه أَوْ علمك عِلْمًا جهلوه، بل جهلت ما ابتليت به من حالك فِي صدور العامة، وكلفهم بك أن صاروا يقتدون برأيك ويعملون بأمرك، إن حللت أحلوا، وإن حرمت حرموا، ولَيْسَ ذَلِكَ عندك، ولكن إكبابهم عَلَيْكَ، ورغبتهم فيما فِي يديك، ذهاب عملهم، وغلبة الجهل عَلَيْكَ وعَلَيْهمْ، وطلب حب الرياسة وطلب الدُّنْيَا منك وَمِنْهُمْ.

أما تَرَى ما أَنْتَ فيه من الجهل والعزة، وما النَّاس فيه من البَلاء والفتنة، وابتليتهم بالشغل عَنْ مكاسبهم وفتنتهم، بما رأوا من اثر العلم عَلَيْكَ، وتاقت أنفسهم إِلَى أن يدركوا بالعلم ما أدركت، ويبلغوا منه مثل الَّذِي بلغت، فوقعوا بك فِي بحر لا يدرك قعره، وَفِي بَلاء لا يقدر قدره، فالله لَنَا ولك ولهم المستعان.

واعْلَمْ أن الجاه جاهان: جاه يجريه الله تَعَالَى على يدي أوليائه لآوليائه، الخامل ذكرهم، الخافية شخوصهم، ولَقَدْ جَاءَ نعتهم على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((إن الله يحب الأخفياء الأتقياء الأبرياء الَّذِينَ إِذَا غابوا لم يفتقدوا، وَإِذَا شهدوا لم يعرفوا، قُلُوبهمْ مصابيح الهدى، يخرجون من كُلّ فتنة سوداء مظلمة» .

فهؤلاء أَوْلِيَاء الله الَّذِينَ قَالَ تَعَالَى فيهم: {أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>