للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاه يجريه الله تَعَالَى على يدي أعدائه لأوليائه، وَمِقَةٌ يقذفها الله فِي قُلُوبهمْ لَهُمْ، فيعظمهم النَّاس بتعَظِيم أولئك لَهُمْ ويرغب النَّاس فيما فِي أيديهم لرغبة أولئك فيه إليهم {أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} .

وما أخوفني أن تَكُون ممن ينظر لمن عاش مستورًا عَلَيْهِ فِي دينه، مقتورًا عَلَيْهِ فِي رزقه، معزولة عَنْهُ البلايا، مصروفة عَنْهُ الفتن فِي عنفوان شبابه وطهور جلده، وكمال شهوته.

فعني بذَلِكَ دهره، حَتَّى إِذَا كبر سنه، ورق عظمه، وضعفت قوته، وانقطعت شهوته ولذته، فتحت عَلَيْهِ الدُّنْيَا شر فتوح فلزمته تبعتها وعلقته فتنتها، وأعشت عينيه زهرتها، وصفت لغيره منفعتها.

فسبحان الله ما أبين هَذَا الغبن، وأخسر هَذَا الأَمْر، فهلا إِذَا عرضت لَكَ فتنتها ذكرت أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي كتابه إِلَى سعد.. حين خاف عَلَيْهِ مثل الَّذِي وقعت فيه عِنْدَمَا فتح الله على سعد.

أما بعد فأعرض عَنْ زهرة ما أَنْتَ فيه حَتَّى تلقى الماضين الَّذِينَ دفنوا فِي أسمالهم، لاصقة بطونهم بظهورهم، لَيْسَ بينهم وبين الله حجاب، لم تفتنهم الدُّنْيَا ولم يفتنوا بها، رغبوا فطلبوا فما لبثوا أن لحقوا.

فإذا كَانَتْ الدُّنْيَا يبلغ من مثلك هَذَا فِي كبر سنك، ورسوخ علمك، وحضور أجلك، فمن يلوم الحدث فِي سنه، والجاهل فِي علمه، والمأفون فِي رأيه المدخول فِي عقله (إنَا لله وإنَا إليه راجعون) على من المعول، وعَنْدَ من المستعتب.

نحتسب عَنْدَ الله مصيبتنا.. وما نرى منك، ونحمد الله الَّذِي عافانَا مِمَّا ابتلاك به. والسَّلام عَلَيْكَ ورحمة الله وبركاته..

<<  <  ج: ص:  >  >>