وقَالَ آخر يوصى أخًا لَهُ: يَا أخي احذر الموت فِي هَذِهِ الدار من قبل أن تصير إِلَى دارٍ تتمنى بها الموت فلا يوَجَدَ.
وقَالَ آخر: وأما ذكر الموت والتفكر فيه، فإنه وإن كَانَ أمرًا مقدارًا مفروغًا منه، فإنه يكسبك بتوفيق الله التجافي عَنْ دار الغرور، والاستعداد والإنابة إِلَى دار الخلود، والتفكير والنظر فيما تقدم عَلَيْهِ وفيما يصير أمرك إليه.
ويهون عَلَيْكَ مصائب الدُّنْيَا ويصغر عندك نوائبها، فَإِن كَانَ سبب موتك سهلاً وأمره قريبًا فهو ذاك، وإن كَانَتْ الأُخْرَى كنت مأجورًا مَعَ النِّيْة الصَّالِحَة فيما تقاسيه، مثابًا على ما تتحمله من المشاق.
واعْلَمْ أن ذكر الموت وغيره من الأذكار إنما يكون بالْقَلْب وإقبالك على ما تذكره. قَالَ الله جلا جلاله وتقدست أسماؤه:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} فأي فائدة لَكَ رَحِمَكَ اللهُ فِي تحريك لسانك إِذَا لم يخطر بقلبك.
وإنما مثل الذكر الَّذِي يعقب التنبيه، ويكون معه النفع والإيقاظ من الغَفْلَة والنوم أن تحضر المذكور قلبك وتجمَعَ لَهُ ذهنك وتجعله نصب عينيك ومثالاً حاضرًا بين يديك، وأن تنظر إِلَى كُلّ ما تحبه من الدُّنْيَا من ولدٍ أَوْ أَهْلِ أَوْ مالٍ أَوْ غير ذَلِكَ، فتعلم عِلْمًا لا يشوبه شك إِنَّكَ مفارقه فِي الحياة أَوْ فِي الْمَمَات، وهذه سُنَّة الله الجارية فِي خلقه وحكمه المطرد.