وَرَيَّانَ مِنْ مَاء الشَّبَابِ إِذَا مَشَى ... يَمِيدُ عَلَى حُكْمِ الصِّبَا وَيَمِيدُ
تَعَلَّقَ مِنْ دُنْيَاهُ إِذْ عَرَضَتْ لَهُ ... خَلُوبًا لأَلْبَابِ الرِّجَالِ تَصِيدُ
فَأَصْبَحَ مِنْهَا فِي حَصِيدٍ وَقَائِم ... وَلِلْمَرْءِ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدُ
خَلا بِالأَمَانِي وَاسْتَطَابَ حَدِيثَهَا ... فَيَنْقُصُ مِنْ أَطْمَاعِهِ وَيَزِيدُ
وَأَدْنَتْ لَهُ الأَشْيَاءِ وَهِيَ بَعِيدَةُ ... وَتَفْعَلُ تُدْنِي الشَّيءَ وَهُوَ بَعِيدُ
أُتِيحَتْ لَهُ مِنْ جَانِبِ الْمَوْتِ رَمْيَةٌ ... فَرَاحَ بِهَا الْمَغْرُورُ وَهُوَ حَصِيدُ
وَصَارَ هَشِيمًا بَعْدَمَا كَانَ يَانِعًا ... وَعَادَ حَدِيثًا يَنْقَضِي وَيَبِيدُ
كَأَنْ لَمْ يَنَلْ يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ لَذَّة ... وَلا طَلَعَتْ فِيهِ عَلَيْهِ سُعُودُ
تَبَارَكَ مَنْ يُجْرِي عَلَى الْخَلْقِ حُكْمَهُ ... فَلَيْسَ لِشَيْءٍ مِنْهُ عَنْهُ مَحِيدُ
" فَصْلٌ ": ويروى أن إبراهيم الخليل عَلَيْهِ السَّلام لما مَاتَ قَالَ الله جل جلاله: كيف وجدت الموت؟ قَالَ: كسفودٍ جعل فِي النار ثُمَّ أدخل فِي صوف رطب ثُمَّ جذب. فقَالَ الله تَعَالَى: أما أَنَا لَقَدْ هوناه عَلَيْكَ يَا إبراهيم.
ويروى عَنْ مُوَسى عَلَيْهِ السَّلام أنه لما صَارَت روحه إِلَى الله تَعَالَى قَالَ لَهُ: يَا مُوَسى كيف وجدت الموت؟ فقَالَ: وجدت نفسي كالعصفور حين يلقى فِي المقلى لا يموت فيستريح ولا ينجو فيطير. ويروى عنه أنه قال: وجدت نفسي كشاة حية بيد القصاب تسلخ. ويروى أن عمر قَالَ لكعب الأحبار: حدثنا عَنْ الموت. فقَالَ: نعم يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كغصن كثير الشوك أدخل فِي جوف رجل فأخذت كُلّ شوكة بعرق ثُمَّ جذبه رجل شديد الجذب فأخذ ما أخذ وأبقى ما أبقى.
وقَالَ القرطبي: لتشديد الموت على الأَنْبِيَاء فائدتان أحدهما تكميل فضائلهم ورفع درجاتهم ولَيْسَ ذَلِكَ نقصًا ولا عذابًا بل هُوَ كما جَاءَ أن أشد النَّاس بَلاءً الأَنْبِيَاء ثُمَّ الأمثل فالأمثل. وَالثَّانِيَة تعرف الخلق مقدار ألم الموت وأنه باطن وقَدْ يطلع الإِنْسَان على بَعْض الموتى فلا يرى عَلَيْهِ حركةً ولا قلقًا ويرى سهولة