بالموت ولا أمل بالرجوع إلى الدنيا ليتدارك ذلك وعند ذلك تعظم الحسرة.
ويشد الندم وكم غرت الدنيا من مخلد إليها وصرعت من مكب عليها فلم تنعشه من عثرته ولم تنقذه من صرعته ولم تشفه من ألمه ولم تبرئه من سقمه.
شِعْرًا: ... بَلَى أَوْرَدَتْهُ بَعْدَ عِزٍّ وَمَنْعَةٍ ... مَوَارِدَ سُوءٍ مَا لَهُنَّ مَصَادِرُ
فَلَمَّا رَأَى أَنْ لا نَجَاةَ وَأَنَّهُ ... هُوَ الْمَوْتُ لا يُنْجِيهِ مِنْهُ التَّحَاذُرُ
تَنَدَّمَ إِذْ لَمْ تُغْنِ عَنْهُ نَدَامَةٌ ... عَلَيْهِ وَأَبْكَتْهُ الذُّنُوبُ الْكَبَائِرُ
آخر: في التحذير عن الدنيا:
أَمُّ دَفْرٍ فِي غُرُورٍ تَتْجَلي ... كَعَرُوسٍ زَيَّنَتْهَا مُسْرِفَاتْ
تَخْدَعِ الْغِرَّ وَعَنْهَا يَرْعَوِي ... عَارِفٌ يَسْمُو بِإِشْرَاقِ الصِّفَاتْ
ابْتَعدْ مَا عِشْتَ عَنْ زِينَاتِهَا ... وَالْزَمِ التَّقْوَى إِلَى يَوْمِ الْوَفَاةْ
آخر: ... يسَرَّ الْفَتَى بِالْعَيْشِ وَهُوَ مُبِيدُهُ ... وَيَغْتَرُّ بِالدُّنْيَا وَمَا هِيَ دَارُهُ
وَفِي عِبرِ الأَيَّامِ لِلْمَرْءِ وَاعِظٌ ... إِذَا صَحَّ فِيهَا فِكْرهُ وَاعْتِبَارُهُ
فَلا تَحْسَبنْ يَا غَافِلُ الدَّهْرِ صَامِتًا ... فَأَفْصَحُ شَيْءٍ لَيْلُه وَنَهَارُهُ
أَصِخْ لِمُنَاجَاةِ الزَّمَانِ فَإِنَّهُ ... سَيُغْنِيكَ عَنْ جَهْرِ الْمَقَالِ سِرَارُهُ
أَدَارَ عَلَى الْمَاضِينَ كَأْسًا فَكُلُّهُمْ ... أُبِيحَتْ مَغَانِيهِ وَأَقْوَتْ دِيَارُهُ
وَلَمْ يَحْمِهم مِنْ أَنْ يُسَقَّوْا بِكَأْسِهِمْ ... تَنَاوُشُ أَطْرَافِ الْقَنَا وَاشْتِجَارُهُ
آخر: ... أَحَاطَتْ بِهِ أَحْزَانُهُ وَهُمُومُهُ ... وَأَبَلَسَ لَمَّا أَعْجَزَتْهُ الْمَقَادِرُ
فَلَيْسَ لَهُ مِنْ كُرْبَةِ الْمَوْتِ فَارِجٌ ... وَلَيْسَ لَهُ مِمَّا يُحَاذِرُ نَاصِرُ
وَقَدْ جَشَأَتْ خَوْفَ الْمَنِيَّةِ نَفْسُهُ ... تُرَدِّدُهَا مِنْهُ اللَّهَا وَالْحَنَاجِرُ
ولهذا سببان أحدهما كثرة المعاصي والآخر ضعف الإيمان وذلك أن مقارفة المعاصي من غلبة الشهوات ورسوخها في اللب بكثرة الإلف والعادة، وكل ما ألفه الإنسان في عمره يعود ذكره إلى قلبه غالبا عند الموت.