للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكُفَّنَ فِي ثَوْبَيْنِ وَاجْتَمَعُوا لَهُ ... مُشَيِّعُهُ إِخْوَانُهُ وَالْعَشَائِرُ

فلو رأيت الأصغر من أولاده، وقد غلب الحزن على فؤاده، ويخشى من الجزع عليه وقد خضبت الدموع عينيه وهو يندب أباه ويقول: يا ويلاه واحرباه.

لَعَايَنْتَ مِنْ قُبْحِ الْمَنِيَّةِ مَنْظَرًا ... يُهَالُ لِمَرْآهُ وَيَرْتَاعُ نَاظِرُ

أَكَابِرُ أَوْلادٍ يَهِيج اكْتِئَابِهم ... إِذَا مَا تَنَاسَاهُ الْبَنُونُ الأَصَاغِرُ

وَرَبَّةُ نِسْوَان عَلَيْهِ جَوَازِع ... مَدَامِعُهُمْ فَوْقَ الْخُدُودِ غَوَازِرُ

ثم أخرج من سعة قصره، إلى مضيق قبره، فلما استقر في اللحد، وهيء عليه اللبن احتوشته أعماله وأحاطت به خطاياه وأوزاره، وضاق ذرعًا بما رآه، ثم حثوا بأيديهم عليه التراب، وأكثروا عليه البكاء والانتحاب، ثم وقفوا ساعة عليه وأيسوا من النظر إليه، وتركوه رهنًا بما كسب وطلب.

فَوَلَّوا عَلَيْهِ مُعولِينَ وَكُلُّهُم ... لِمِثْل الَّذِي لاقَى أَخُوهُ مُحَاذِرُ

كَشَاءٍ رَعَاءٍ آمِنِينَ بَدَا لَهَا ... بِمُدْيتِهِ بَادِي الذِّرَاعَيْنِ حَاسِرُ

فَرِيعَتْ وَلَمْ تَرْعَى قَلِيلاً وَأَجْفَلَتْ ... فَلَمَّا نَأَى عَنْهَا الَّذِي هُوَ جَازِرُ

عادت إلى مرعاها، ونسيت ما في أختها دهاها، أفا بأفعال الأنعام اقتدينا أم على عادتها جرينا، عد إلى ذكر المنقول إلى دار البلى، واعتبره بموضعه تحت الثرى، المدفوع إلى هول ما ترى.

ثَوَى مُفْرَدًا فِي لَحْدِهِ وَتَوَزَّعَتْ ... مَوَارِيثَهُ أَوْلادُهُ وَالأَصَاهِرُ

وَأَحْنَو عَلَى أَمْوَالِهِ يَقْسِمُونَهَا ... فَلا حَامِدٌ مِنْهُمْ عَلَيْهَا وَشَاكِرُ

فَيَا عَامِرَ الدُّنْيَا وَيَا سَاعِيًا لَهَا ... وَيَا آمِنًا مِن أَنْ تَدُورَ الدَّوَائِرُ

كيف أمنت هذه الحالة، وأنت صائر إليها لا محالة، أم كيف ضيعت حياتك، وهى مطيتك إلى مماتك، أم كيف تشبع من طعامك، وأنت

<<  <  ج: ص:  >  >>