للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالإناء إذا كان مملوءًا بشيءٍ لا يكونٌ لشيء آخر محلٌ فيه ولأن الدنيا والآخرة كضرتين إذا أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى.

وكالمشرق والمغرب بقدر ما تقرب من أحداهما تبعد عن الآخر قال الله جل وعلا وتقدس {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً} .

شِعْرًا: ... رَجِوْتَ خُلُودًا بَعْدَ مَاتَ آدَمٌ ... وَنُوحٌ وَمَنْ بَعْدِ النَّبِيِّينَ مِنْ قَرَنِ

وَسَوَّفَتْ بِالأَعْمَالِ حَتَّى تَصَرَّمَتْ ... سُنُوكَ فَلا مَالٌ وَلا وَلَدٌ يُغْنِي

فَشَمِّرْ لِدَارِ الْخُلْدِ فَازَ مُشَمِّرٌ ... إِلَيْهَا وَنَالَ الأَمْنَ فِي مَنْزِلِ الأَمْنِ

لَقَدْ شَغَلَتْنَا أُمُّ دفْرٍ بِزُخْرُفٍ ... شُغِلْنَا بِهِ عَنْ طَاعَةِ اللهِ ذِي الْمِنِّ

عَجِبْتُ لِدُنْيًا لا تَسُرُّ وَإِنَّمَا ... تَشُوبُ عَلَى تِلْكَ الْمَسَرَّةِ بِالْحُزْنِ

قال ابن الجوزي: عجبت من عاقل يرى استيلاء الموت على أقرابة وجيرانه كيف يطيب عيشه خصوصًا إذا علت سنة.

وأعجبًا لمن يرى الأفاعي تدب إليه وهو لا ينزعج أما يرى الشيخ دبيب الموت في أعضائه ثم في كل يوم يزيد الناقص.

ففي نظر العاقل على نفسه ما يشغله عن النظر إلى خراب الدنيا وفراق الإخوان وإن كان ذلك مزعجًا.

ولكن شغل من احترق بيته بنقل متاعه يلهيه عن ذكر بيوت الجيران.

قلت: ومثله من في بيته لص يلهيه عن اللصوص التي في بيوت الجيران.

وإنه لِمَمَّا يسلي عن الدنيا ويهون فراقها استبدال المعارف بمن تكره فقد رأينا أغنياء كانوا يؤثرون وفقراء كانوا يصبرون ومحاسبين لأنفسهم يتورعون.

فاستبدل السفهاء عن العقلاء والبخلاء عن الكراماء فيا سهولة الرحيل لعل النفس تلقى من فقدت فتلحق بمن أحبت.

شِعْرًا: ... وَلا تَغُرنكَ أَثْوَابٌ لَهُمْ حَسُنَتْ ... فَلَيْسَ مِنْ تَحْتِهَا فِي حُسْنِهَا حَمَدَا

فَالْقِرْدُ قِرْدٌ وَلَوْ حَلَّيْتَهُ ذَهَبًا ... وَالْكَلْبُ كَلْبٌ وَلَوْ سَمَّيْتَهُ أَسَدَا

<<  <  ج: ص:  >  >>