للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمحب الصادق يرى خيانة منه لمحبوبه أن يتحرك بتحركة اختيارية في غير مرضاته، وإذا فعل فعلاً مما أبيح له بموجب طبيعته وشهوته تاب منه كما يتوب من الذنوب، ولا يزال هذا الأمر يقوى عنده حتى تنقلب بها مباحاته كلها طاعات.

فيحتسب نومه وفطره وراحته كما يحتسب قومته وصومه واجتهاده، وهو دائمًا بين سراء يشكر الله عليها، وضراء يصبر عليها، فهو سائر إلى الله تعالى دائمًا في نومه ويقظته.

قَالَ بعض العلماء: الأكياس عاداتهم عبادات الحمقى، والحمقى عباداتهم عادات.

شعرًا:

لا يحَقْرِ الرَّجُلُ الْعَظِيمُ دَقِيقَةً ... فِي السَّهْوَ فِيهَا لِوضِيعِ مَعَاذِرُ

فَكَبَائِر الرجُل الصَّغِيرِ صَغَائِرٌ ... وَصَغَائِرُ الرجُل الْكَبِير كَبَائِرُ

آخر:

دَعْ التَّعْلِيلَ والتَّسْويفَ وَاقْبِلْ ... عَلى مَوْلاكَ تَغنَمْ نَيْلَ حَظِّ

أدِمْ بالْحَزْمَ إقْبَالاً عَليْهِ ... عَسَى تَحْظَى بَتَوْفِيقٍ وَحِفْظِ

وَنَقِّ الْقَلْبَ مِنْ شُبُهَاتِ زَيْغٍ ... تَرَاهُ مَعْنَويًّا ثُمَّ لَفْظِي

وَرِدْ حَوْضَ الشَّرِيعَةِ مَعْ صَفَاءٍ ... وَجَانِبْ كُلَّ ذِي حَسَدٍ وَغَيْظِ

وَرَقِّ النَّفْسَ بَالْعِرْفَانِ تَزْكُو ... وَتَظْفَرْ بَالْمُنَى مِنْ كُلِّ وَعْظِ

وقَالَ بعض السلف: حبذا نوم الأكياس وفطرهم يغبنون به سهر الحمقى وصومهم، فالمحب الصادق إن نطق نطق لله وبالله، وإن سكت سكت لله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكن فسكونه استعانة على مرضات الله فهو لله وبالله ومع الله.

ومعلوم أن صاحب هذا المقام، أحوج خلق الله إلى العلم، فإنه لا تتميز له الحركة المحبوبة لله من غيرها ولا السكون المحبوب لله من غيره إلا بالعلم. فليست حاجته إلى العلم كحاجة من طلب العلم لذاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>