فَمَنْ بَنَاهَا بِخَيْرٍ طَابَ مَسْكَنُهُ ... وَمَنْ بَنَاهَا بِشَرٍّ خَابَ بَانِيهَا
وَالنَّاسُ كَالْحَبِّ وَالدُّنْيَا رَحَى نَصَبَتْ ... لِلْعَالَمِينَ وَكَفّ الْمَوْتِ يُلْهِيهَا
فَلا الإِقَامَةَ تُنْجِي النَّفْسَ مِنْ تَلَفٍ ... وَلا الْفِرَارُ مِنْ الأَحْدَاثِ يُنْجِيهَا
وَلِلنُّفُوسِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى وَجَلٍ ... مِنَ الْمَنِيَّةِ آمَالٌ تُقَوِّيهَا
فَالْمَرْءُ يَبْسُطُهَا وَالدَّهْرُ يَقْبِضُهَا ... وَالْبِشْرُ يَنْشُرُهَا وَالْمَوْتُ يَطْوِيهَا
وَكُلُّ نَفْسٍ لَهَا زَوْرٌ يُصَبِّحُهَا ... مِنْ الْمَنِيَّةِ يَوْمًا أَوْ يُمَسِّيهَا
تِلْكَ الْمَنَازِلُ فِي الآفَاقِ خَاوِيَةٌ ... أَضْحَتْ خَرَابًا وَذَاقَ الْمَوْتُ بَانِيهَا
كَمْ مِنْ عَزِيزٍ سَيَلْقَى بَعْدَ عِزَّتِهِ ... ذُلاً وَضَاحِكَةٌ يَوْمًا سَيَبْكِيهَا
وَلِلْمَنَايَا تُرَبِّي كُلُّ مُرْضِعَةٍ ... وَلِلْحِسَابِ بَرَى الأَرْوَاحَ بَارِيهَا
لا تَبْرَحُ النَّفْسُ تَنْعِي وَهِيَ سَالِمَةٌ ... حَتَّى يَقُومُ بِنَادِ الْقَوْمِ نَاعِيهَا
وَلَنْ تَزَالُ طِوَالَ الدَّهْرِ ظَاعِنَةٌ ... حَتَّى تُقِيمُ بِوَادٍ غَيْرَ وَادِيهَا
أَيْنَ الْمُلُوكِ الَّتِي عَنْ حَظِّهَا غَفَلَتْ ... حَتَّى سَقَاهَا بِكَأْسِ الْمَوْتِ سَاقِيهَا
أَفْنَى الْقُرُون وَأَفْنَى كُلّ ذِي عُمْرٍ ... كَذَلِكَ الْمَوْتُ يُفْنِي كَلَّ مَا فِيهَا
فَالْمَوْتُ أَحْدَقُ بِالدُّنْيَا وَزُخْرُفُهَا ... وَالنَّاسُ فِي غَفْلَةٍ عَنْ كُلِّ مَا فِيهَا
لَوْ أَنَّهَا عَقِلَتْ مَاذَا يُرَادُ بِهَا ... مَا طَابَ عَيْشٌ لَهَا يَوْمًا وَيُلْهِيهَا
نَلْهُوا وَنَأْمَلُ آمَالاً نَسُرُّ بِهَا ... شَرِيعَةُ الْمَوْتِ تَطْوِينَا وَتَطْوِيهَا
فَاغْرِسْ أُصُولَ التُّقَى مَا دُمْتَ مُقْتَدِرًا ... وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ بَعْدَ الْمَوْت لاقِيهَا
(تَجْنِي الثِّمَارَ غَدًا فِي دَارٍ مُكَرَّمَةٍ ... لا مَنْ فِيهَا وَلا التَّكْدِيرُ يَأْتِيهَا)
(فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ دَائِمًا أَبَدًا ... بِلا انْقِطَاعٍ وَلا مَنْ يُدَانِيهَا)
(الأُذُنُ وَالْعَيْنُ لَمْ تَسْمَعْ وَلَمْ تَرَهُ ... وَلَمْ يَدْرِ فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ مَا فِيهَا)
(فَيَا لَهَا مِنْ كَرَامَاتٍ إِذَا حَصَلَتْ ... وَيَا لَهَا مِنْ نُفُوسٍ سَوْفَ تَحْوِيهَا)
(وَهَذْهِ الدَّارُ لا تَغْرُرْكَ زَهْرَتُهَا ... فَعَنْ قَرِيبٍ تَرَى مُعْجِبُكَ ذَاوِيهَا)