للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد وقع به ما هو أعظم من مصيبتكم أو مثلها أو قريب منها ولم يبق إلا التفاوت في عوض الفائت أعوذ بالله من الخسران.

ولو أمعن البصير في هذا العالم جميعه لم يرى إلا مبتلي إما لفوت محبوبٍ أو حصول مكروهٍ وإن سرور الدنيا أحلام ليلٍ أو كظلٍ زائلٍ إن أضحكت قليلاً أبكت كثيرًا وإن سرت يومًا أساءت دهرًا جمعها على انصداع ووصلها على انقطاع.

إقبالها خديعة وإدبارها فجيعة لا تدوم أحوالها ولا يسلم نزالها حالها انتقال وسكونها زوال غرارة خدوع معطية منوع نزوع ويكفي في هوانها على الله أن لا يعصى إلا فيها ولا ينال ما عنده إلا بتركها.

مع أن المصائب من حيث هي رحمة للمؤمن وزيادة في درجاته كما قال بعض السلف لو مصائب الدنيا لوردنا الآخرة مفاليس والرب سبحانه لم يرسل البلاء إلى العبد ليهلكه ولا ليعذبه ولكن امتحانًا لصبره ورضاه عنه واختبارًا لإيمانه وليراه طريحًا ببابه لائذًا بجنابة منكسر القلب بين يديه فهذا من حيث المصائب الدنيوية وأما ما جرى عليكم فأنتم به بالتهنئة أجدر من التعزية.

ولعمر الله إن من سلم له دينه فالمحن في حقه منح والبلايا عطايا والمكرهات له محبوبات وأما المصيبة العظمى والخطب الأكبر والكسر الذي لا يجبر والعثار التي لا تقال فهي المصيبة في الدين كما قيل:

(وَكُلُّ كَسْرٍ فِإِنَّ اللهَ يَجْبِرَهُ ... وَمَا لِكَسْرِ قَنَاةِ الدِّين جُبْرَانُ)

آخر:

الدِّينُ رَأْسُ الْمَالِ فَاسْتَمْسِكْ بِهِ ... فَضِيَاعُهُ هُوَ أَعْظَمُ الْخُسْرَانِ

آخر:

لَعَمْرِيَ مَا الرَّزِيَّة فَقْدُ قَصُرٍ ... فَسِيحٍ مُنْيَةٍ لِلسَّاكِينِنَا

وَلَكِنَّ الرَّزِيَّةَ فَقْدُ دِين ... يَكُونُ بِفَقْدِهِ مِنْ كَافِرِينَا

<<  <  ج: ص:  >  >>