للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك إشعار النفس تقوى الله فِي أوامره، واتقاؤه فِي زواجره وإلزامها مَا ألزم من طاعته، وتحذيرها مَا حذر من معصيته وإعلامها أنه لا يحفى عليه فِي الأرض ولا فِي السماء ولا بينهما كما قال تعالى: {عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} .

وأنه يجازي المحسنين بإحسانه كما قال تعالى: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} وأنه يجزي المسيء بما عمل كما قال تعالى: {وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وبذلك نزلت الكتب وبلغت الرسل.

وَقَدْ ورد أن آخر مَا نزل قوله تعالى: {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} قال فِي مِنْهاج اليقين شرح أدب الدنيا والدين: فإذا أشعر صاحب الشهوة مَا وصفت من الأمور انقادت أي النفس إِلَى الكف وأذعنت بالاتقاء فسلم دينه من دنس الريبة وظهرت مروءته.

وأما كف اللسان عن الوقوع فِي الأعراض، فالوقوع فيها ملاذ السفهاء، وانتقام أهل الغوغاء والسفلة. قلت: وإلى هذا أشار أبو الطيب فِي قوله: مع أنه لَمْ يعمل بقوله فقد اغتاب وقذف الأبرياء.

وَأَكْبِرَ نَفْسِي عَنْ جَزَاءٍ بِغِيبَةٍ ... وَكُلُّ اغْتِيَابٍ جُهْدُ مَنْ لا لَهُ جُهْدُ

وهو مستسهل الكلف إذا لَمْ يقهر نفسه عنه برادع كاف وزاجر ساد تلبط بمعارة وتخبط بمضاره فهلك وأهلك ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام» . فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فِي الحرمة بين سفك الدم، وهتك العرض، لما فيه من إيغار الصدور بالحقد وإبداء الشرور وإظهار البذاء.

قال بعض الحكماء: إنما هلك الناس بفضول الكلام وفضول المال.

<<  <  ج: ص:  >  >>