للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما بويع بالخلافة فِي اليوم الذي مات فيه أبو بكر بوصية من أبي بكر إليه هابه الناس هيبة شديدة حتى إنهم تركوا الجلوس فِي الأفنية فلما بلغه ذلك جمع الناس ثم قام على المنبر حيث كَانَ يقوم أبو بكر يضع قدميه فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم صلى على النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم قال: بلغني أن الناس هابوا شدتي وخافوا غلظتي وقالوا: قَدْ كَانَ عمر يشتد علينا ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي بين أظهرنا ثم اشتد علينا وأبو بكر والينا فكيف الآن وَقَدْ صارت الأمور إليه.

ولعمري من قال ذلك فقد صدق كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت عنده وخادمه حتى قبضه الله تعالى وهو راض والحمد لله وأنا أسعد الناس بذلك ثم ولي أمر الناس أبو بكر رضي الله عنه فكنت خادمه وعونه أخلط شدتي بلينه فأكون سيفًا مسلولاً حتى يغمدني أو يدعني فما زلت معه كذلك حتى قبضه الله تعالى وهو عليَّ راض والحمد لله وأنا أسعد الناس بذلك.

ثم إني وليت هذا الأمر فاعلموا أن تلك الشدة قَدْ تضاعفت ولكنها تكون على أهل الظلم والتعدي على المسلمين.

وأما أهل السلامة والدين والقصد فأنا ألين لبعضهم من بعض ولست أدع أحدًا يظلم أحدًا ويتعدى عليه حتى يضع خده على الأرض وأضع قدمي على الآخر حتى يذعن للحق.

وإلى هذا أشار الشاعر فِي قوله:

فِي طِيِّ شِدَّتِهِ أَسْرَارُ رَحْمَتِهِ

لِلْعَالَمِينَ وَلِكْن لَيْسَ يُفْشِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>