وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أنفد عمالاً قال لهم: اشتروا دوابكم وأسلحتكم من أرزاقكم ولا تمدوا أيديكم إِلَى بيت مال المسلمين ولا تغلقوا أبوابكم دون أرباب الحوائج.
قال عبد الرحمن بن عوف: دعاني عمر بن الخطاب ذات ليلة وقال: قَدْ نزل بباب المدينة قافلة وأخاف إذا ناموا أن يسرق شيء من متاعهم فمضيت معه فلما وصلنا قال لي: نم أنت ثم جعل يحرس القافلة طول ليلته.
وقال عمر رضي الله عنه: يجب عليَّ أن أسافر لأقضي حوائج الناس فِي أقطار الأرض لأن بها ضعفاء لا يقدرون عَلَى قصدي فِي حوائجهم لبعد المكان فينبغي أن أطوف البلاد لأشاهد أحوال العمال واسبر سيرتهم وأقضي حوائج المسلمين، فلا يكون فِي سِنِي عُمَرَ أبرك من هذه السنة.
وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إِلَى عامله أبي موسى الأشعري (أما بعد فان أسعد الولاة من سعدت به رعيته وإن أشقى الولاة من شقيت به رعيته فإياك والتبسط فان عمالك يقتدون بك وإنما مثلك كمثل دابة رأت مرعى مخضرًا فأكلت كثيرًا حتى سمنت لأنها بذلك السمن تذبح وتؤكل وفي التوراة كل ظلم علمه السلطان من عماله فسكت عنه كَانَ ذلك الظلم منسوبًا إليه وأخذ به وعوقب عليه.
وينبغي للوالي أن يعلم أنه ليس أحد غبنًا ممن باع دينه وآخرته بدينا غيره وأكثر الناس فِي خدمته شهوتهم فإنهم يستنبطون الحيل ليصلوا إِلَى مرادهم من الشهوات وكذلك العمال لأجل نصيبهم من الدنيا يغرون الوالي ويحسنون الظلم عنده فيلقونه فِي النار ليصلوا إِلَى إغراضهم وأي عدو أشد عداوة ممن يسعى فِي هلاكك وهلاك نفسه لأجل درهم يكتسبه ويحصله. وفي الجملة ينبغي لمن أراد حفظ العدل عَلَى الرعية أن يرتب غلمانه وعماله