للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِفْ بالمنازِلِ من عَادٍ وغَيْرهِمُوا ... فَمَا تَرَي ثَمَّ مِن شَخْصٍ ولا شَبَحِ

كُلٌ مُجَازَى بِما أسْدَاهُ مِن حَسَنٍ ... وسَيِّئٍ فاهْجُرِ السَّؤْآت وَانْتَزِحِ

وعن كُمَيْل بن زياد قال: أخذ عليَّ بن أبي طالب بِيَدِي فأخرجني إِلى ناحية الجبّان، فلما أصْحَرنا جلس، ثم تنفس ثم قال: ((يا كُمَيْل بنَ زِياد، القلوبُ أَوْعِيةٌ فخَيْرُها أَوعَاهَا لِلْعِلْم، احْفَظْ ما أَقُولُ لَكَ.

الناس ثلاثةٌ: عَالِمٌ رباني، ومُتَعِلِّمٌ على سبيل نَجَاة، وهمَجٌ رَعَاعُ اَتْبَاعَ كلِّ نَاعِقٍ، يَميلونَ مَعَ كُلِّ رِيح، ولم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجؤوا إلى ركنٍ وثيق.

العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، العلم يزكو على العمل والمال تنقصه بالنفقة، العلم حاكم والمال محكوم عليه وصنيعة المال تزول بزواله.

ومحبة العالم دين يدان بها العلم يُكْسِبُه الطاعة في حَيَاته وجَمِيْل الأحدوثة بعد مماته، مات خُزّان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة.

إن ها هنا وأومأ بيده إِلى صدره عِلماً لو أصبت له حَمَلَةً بلى أصبته لَقناً غير مأمون عليه، يستعمل آلة الدين للدنيا، يستظهر بنعم الله على عباده، وبحججه على كتابه.

أو معانداً لِأَهل الحق لا بصيرة له في إحيائه، ينقدح الشك في قلبه، عارض من شبهة. لا ذا ولا ذاك. أو منهوماً باللذات سلسِ القياد للشهوات، أو مُغْرىً بجمع الأموال والادّخار، ليسا من دعاة الدين في شئ، أقرب شبهاً بهم الأنعام السائمة.

كذلك يموت العلم بموت حامليه، اللهُم بلى، لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة لكي لا تبطُل حُجَج الله وبيّناته أولئك هم الأقلون عدداً الأعظمون عند الله قدراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>