للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما واللهِ لو عَايَنُوا ما عَاينَ مَيِتُّهُم لأَذهَلَتْهُم مُعَاينَتَهُم عن مَيِّتِهم، وإِن له فيهم لَعَوْدَة، ثم عودة، حتي لا يُبقي منهم أحداً)) . ثم قام فقال:

أوصيكم عِبَادَ اللهِ بتقوى الله الذي ضرب لكم الأمثال، ووقَّتَ لكم الآجال، وجعل لكم أسماعاً تعي ما عَناها، وأبصاراً لتجلو عن غشاها، وأفئدة تَفْهَمُ ما دهاها.

إِن الله لم يخلقكم عبثاً، ولم يضرب عنكم الذكر صفحاً بل اكرمكم بالنعم السوابغ، وأرصد لكم الجزاء، فاتقوا الله عِبَادَ اللهِ وجُدُّوا في الطلب، وبادِروا بالعمل قَبْلَ هادم اللذات.

فان الدنيا لا يَدُوم نعِيمُها، ولا تُؤْمَنُ فَجَائِعهُا، غَرُورٌ حائِل، وسِنادٌ مائِلِ، اتَّعظوا عِبَادَ اللهِ بالعِبر، وازدَجِرُ بِالنُذُر، وانتفعُوا بالمواعظ.

فَكَأَنْ قَدْ عَلِقَتْكُم مَخَالبُ المنية، وضُمِّنْتُم بَيْتَ التُراب، ودهمتكُم مُفْظِعاتُ الأُمور بنفخةِ الصُوْر، وَبَعْثَرةِ القُبور، وسِياقِ المحشرِ، ومَوْقفِ الحساب، بِاحاطةِ قُدْرَةِ الجبار.

كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سَائِقٌ يَسُوقُها لِمَحْشَرِها، وشاهِدٌ يَشْهَد عَليها:

(وأشْرَقتِ الأَرْضُ بِنُورِ ربّها وَوُضِعَ الكتابُ وجئ بالنّبيِّينَ والشهداء وقُضِىَ بينهم بالحقّ وهم لا يُظْلَمون)

ارْتَجَّتْ لِذلك اليوم البِلاد، ونادَى المُنَادِي وحُشِرتِ الوحُوُشُ، وبَدَتِ الأَسْرار، وارتجَّتْ الأَفئِدةُ، وبُرّزتِ الجحيم قد تأجَّجَ جَحِيْمُهَا وغلا حمِيْمُهَا.

عِبَادَ اللهِ، اتقوا الله تُقْيَةَ مَنْ وَجِلَ وَحذرَ وأَبْصَرَ وازْدَجَرَ فاحْتَثَّ طَلَباً وَنَجا هَرَبَاً، وقَدَّمَ لِلْمَعَاد واسْتَظْهَرَ بالزاد.

وكفَى بالله مُنْتَقِماً ونَصِيراً، وكفَى بالكتاب خَصْماً وحَجِيْجاً، وكفَى بالجنة ثواباً، وكفَىَ بالنار وبالاً وعِقاباً، وأسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولكم.

شِعْراً: ... خُلِقَتَ جِسْماً ثَرِياً ثم زُرْتَ ثَرى ... وصِرْتَ خطّاً فَطَالَتْ مُدَّةً فَمُحِيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>