للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسْتِرَاحَةَ المكْرُوب وأجد به ما يوجد بالولد السارَ المحبوب ولقد استمد منه رَأيًا أقوم به أوَدَ المملكة وأصل به إلى رضا الله في سِيَاسَة الرعية. وآخر ما قَالَ لي عِنْدَ وَداعِهِ: إذا اسْتَشَنَّ ما بينك وَبَيْنَ الله فابْلُلْهُ قُلْتُ: بماذا يَا صَاحِبَ الخَيْرِ؟ قَالَ: بالاقتداء به في الإحسان إلى عبادة فإنه يحب الإحسان مِن عباده إلى عباده كما تحب الإحسان إلى ولدك من حاشِيَتِكَ. والله ما أعطاك القُدْرَةَ عليهم إلا لتصير على إحسانك إليهم بالشكر على حَسَنَاتِهِمْ والتَّغَمُدَ لسيئاتهم وَأي شيء أوجه لَكَ عند ربك من أن يكون أمامك عدل وإنصاف وإحسان وإسْعَافٌ ورَأفة ورحمةَ مَن لِي بمثل هذا القائلِ وأنَّى لي بمن يذكرني ما انا إليه صائر.

أَلا إنما الدُّنْيَا مَتَاعُ غُرورِ ... وَدَارُ بَلاءٍ مُؤذنٍ بثُبُور

وَدَارُ مُلِمَّاتٍ وَدَارُ فَجَائِعِ ... وَدَارُ فَنًا في ظُلْمَةٍ وَبُحُورِ

دَارُ خَيَالٍ مِنْ شُكُوكٍ وَحِيرَةٍ ... وَدَارُ صُعُودٍ في الهوى وحُدُورِ

إِنَّ امْرأً لم يَنْجُ فيها بِنَفْسِهِ ... عَلَى مَا يَرى فِيهَا لَغَيْرُ صَبُورٍ

وَلا بُدَّ مِنْ يَومَين يَومِ بَليَّةٍ ... إِرَادَةُ جَبَّارٍ وَيَوْمِ نُشُورِ

كَأَنِّي بِيَوْم ما أخَذْتُ تَأَهُّبًا ... لِرَبِّي رَوَاحِي مَرةً وَبُكورِي

كَفَى حَسْرَةً أَنَّ الْحَوَادِثَ لَمْ تَزَلْ ... تُصَيِّرُ أَهْلَ الْمُلْكِ أَهْلَ قُبُورِ

أَلا رُبَّ أَبْنَاءِ اتِّسَاعٍ وَفَرْحَةٍ ... وَزَهْرَةِ عَيْشٍ مُونَقٍ وَحُبُورٍ

وَأَبْنَاءِ لَذَّاتٍ وَظِلِّ مَصَانِعٍ ... وَظلِّ مَقَاصِير وَظِلِّ قُصُورِ

نَظَرْتُ إليهم في بُيوتٍ مِن الثَّرَى ... مُسْتَّرَةٍ مِن رَضْرَضٍ بِسُتُورِ

وَكَمْ صُوَرٍ تَحْتَ التُّرَابِ مُقِيمَةٍ ... عَلَى غَيْرِ أَبْشَارٍ وَغَيْرِ شُعُورِ

ثَوَتْ في سَرَابِيلٍ عَلَيْهَا مِن الحَصى ... وَمِنْ لَخَفٍ مِنْ جَنْدَلٍ وَصُخُورِ

إِذَا مَا مَرَرْنَا بالقُبورِ لحَاجَةٍ ... مَرَرْنَا بِدُورٍ هُنَّ أَجْمَلُ دُورِ

أَلا رُبَّ جَبَّارٍ بِهَا مُتَكَبِّر ... وَيَا رُبَّ مُخْتَالٍ بِهَا وَفَخُورِ

خَلِيلِي كَمْ مِنْ مَيِّتٍ قَدْ حَضَرْتُهُ ... وَلَكِنَّنِي لَمْ أَنْتَفِعْ بِحُضُورِي

<<  <  ج: ص:  >  >>