.. رُوحِِهِ إلى بَدَنِه قَالَ تَعَالَى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} .
ثُمَّ لاَ يَزَالُ يُعَالجُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَشَدَائِدَه وَيَشْتَدُّ بِهِ النَّزْع وَجَعَلَ يُتَابعُ نَفَسَه وَاخْتَلَّ نَبْضُه وَتَعَطَّلَ سَمْعُه وَبَصَرُه كَمَا تَعَطَّلَ قَبْلَ ذَلِكَ لِسَانُه حَتَّى إذَا جَاءَ الأَجلْ وَنَفَذَ الْقَضَاءُ وَفَاضَتْ رُوحُهُ إلَى السَّمَاء صَارَ جُثَّةً هَامدَةً وَجيفَةًً بَيْنَ أَهْلِهِ وَعَشِيرَتِه قَدْ اسْتَوْحَشُوا مِنْ جَانِبِهْ وَتَبَاعَدُوا وَمَاتَ اسْمُهُ الَّذِي كَانُوا يَعْرَفُونَهُ كَمَا مَاتَ شَخْصُهُ الّذِيِ كَانُوا يَأنَسُونَ بِهِ وأصْبَحُوا يَقُولُونَ الْمَيْتُ بَعْدَ أَنْ كَانَوا يُنَادُونَهُ بِاسْمِهِ حَيًا.
فَإنا لله وَإَنَّا إلَيْهِ رَاجِعُون ثُمَّ أَخَذَ الْغَاسِلُ فَجَرَّدَهُ مِنْ ثِيَابِه وَصَارَ يُقَلَّبُهُ عُرْيَانًا وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى سَوْأتِه وَعَوْرَتِهِ وَقَدْ كَانَ يَسْتَحِي وَيَخْجَلُ مِنْهُ حَالَ حَيَاتِه. ثُمَّ أُدْرِجَ في أَكْفَانِهِ كَمَا يُدْرَجُ اْلمتَاعُ في لِفَافِتِه وَبَعْدَ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ يَحْمِلُونَهُ إلى حُفْرَةٍ عَمِيْقَةٍ ضَيّقَةٍ مُوْحِشَةٍ وَيَتْرُكوُنَهُ وَحِيدًا لاَ أنِيسَ وَلا رَفِيقَ إلا عَمَلُه انْتَهَى وَوُجِدَ مَكْتُوبًا عَلى قَبْرِه:
شِعْرًا: ... فَأمْسَوْا رَمِيمًا في التُّرابِ وَعُطلّتْ ... مَجَالِسُهُمْ مِنْهُمْ وأخليْ الْمَقاصِرُ
وَحَلُّوا بِدَارٍ لاَ تَزَاوُرَ بَيْنَهُمْ ... وَأَنَّى لسُكَّانِ الْقُبَورِ التَّزَاوُرُ
فَمَا أَنْ تَرَى إِلا قُبُورًا ثَوَوْا بِهَا ... مُسَطَّحَةً تَسْفِي عَلَيْهَا الأَعَاصِرُ
فَمَا صَرَفَتْ كَفَّ الْمَنِيَّةِ إِذْ أَتَتْ ... مُبَادَرَةٌ تَهْوِي إِلَيْهَا الذَّخَائِرُ
وَلا دَفَعَتْ عَنْهُ الْحُصُونَ الَّتِي بَنَى ... وَحَفَّتْ بِهَا أَنْهَارُهُ وَالدَّسَاكِرُ
وَلا قَارَعَتْ عَنْهُ الْمَنِيَّةَ حِيلَةٌ ... وَلا طَمِعَتْ فِي الذَّبِّ عَنْهَا الْعَسَاكِرُ
أَتَاهُ مِنَ الْجَبَّارِ مَالا يَرُدُّهُ ... وَأَمْرٌ قَضَاهُ اللهُ لا بُدَّ صَائِرُ
مَلِيكٌ عَزِيزٌ لا يُرَدُّ قَضَاؤُهُ ... حَكِيمٌ عَلِيمٌ نَافِدُ الأَمْرِ قَاهِرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute