عَنَى كُلُّ ذِي لِعِزَّةِ وَجْهِهِ ... فَكَمْ مِنْ عَزِيزٍ لِلْمُهَيْمِنِ صَاغِرُ
لَقَدْ خَضَعْتَ وَاسْتَسْلَمَتْ وَتَضَاءَلَتْ ... لِعِزَّةِ ذِي الْعَرْشِ الْمُلُوكُ الْجَبَابِرُ
وَقَفَ بَعْضُ السَّلَفِ عَلَى إِنْسَانٍ شَدِيدِ الْحُزْنِ فَقَالَ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَنْتَ مَحْزُون؟ قَالَ: لأَنِّي أُصِبْتُ فِي نَفْسِي وَذَلِكَ أَنِّي قَتَلْتُهَا بِالذُّنُوبِ فَأَنَا حَزِينٌ عَلَيْهَا ثُمَّ أَسْبَلَ دَمْعَهُ فَقَالَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ الآن؟ قَالَ: ذَكَرْتُ يَوْمًا مَضَى مِنْ أَجَلِي لَمْ يَحْسُنْ فِيهِ عَمَلِي فَبُكَائِي لِقِلَّةِ الزَّادِ وَبُعْدِ الْمَفَازَة وَعَقَبَةٌ لا بُدَّ لِي مِنْ صُعُودِهَا ثُمَّ لا أَدْرِي أَيْنَ يُهْبَطُ بِي إِلى الْجَنَّةِ أَمْ إلى النَّارِ ثُمَّ أَنْشَدَ:
يَا رَاكِبًا يَطْوِي مَسَافَة عُمْرِهِ ... باللهِ هَلْ تَدْرِي مَكَانَ نُزُولِكَا
شَمِّرْ وَقُمْ مِنْ قَبْلِ حَظِّكَ فِي الثَّرَى ... في حُفْرَةِ تَبْلَى بِطُولِ حُلُولِكَا
- وَوُجِدَ مَكْتُوبًا عَلَى قَبْر-
ذَهَبَ الأَحِبَّةُ بَعْدَ طُولِ تَزَاوُرِ ... وَنَأَى الْمَزَارُ وَأَسْلَمُوكَ وَأَقْشَعُوا
تَرَكُوكَ أَوْحَشَ مَا تَكُونَ بِقَفْرَةٍ ... لَمْ يُؤْنِسُوكَ وَكُرْبَةٍ مَا نَفَسُوا
وَقَضَى الْقَضَاءُ وَصِرْتَ صَاحِبَ حُفْرَةٍ ... عَنْكَ الأَحِبَّةُ أَعْرَضُوا وَتَصَدَّعُوا
آخر: ... إِنَّ الْمَسَأةَ لِلْمَسَرَّةِ مَوْعِدٌ ... أُخْتَانَ رَهْنٌ لِلْعَشِيَّةِ أَوْ غَدِ
فَإِذَا سَمِعْتَ بِهَالِكِ فَتَيَقنَنْ ... أَنَّ السَّبِيلَ سَبِيلُه فَتَزَوَّدِ
آخر: ... قِفْ بِالْقُبُورِ وَقُلْ عَلَى سَاحَتِهَا ... مَنْ مِنْكُمْ الْمَغْمُورُ فِي ظُلُمَاتِهَا
وَمَنِ الْمُكَرَّمُ مِنْكُمْ فِي قَعْرِهَا ... قَدْ ذَاقَ بَرْدَ الأَمْنِ مِنْ رَوَعَاتِهَا
لَوْ جَاوَبُوكَ لأَخَبْرَوُكَ بِأَلْسُن ... تَصِفُ الْحَقَائِقَ بَعْدُ مِنْ حَالاتِهَا
أَمَّا الْمُطِيعُ فَنَازِلٌ في رَوْضَةٍ ... يُفْضِي إلى مَا شَاءَ مِنْ دَوْحَاتِهَا
وَالْمُجْرِمُ الطَّاغِي بِهَا مُتَقَلِّبٌ ... فِي حُفْرَةٍ يَأْوِي إلى حَيَاتِهَا
وَعَقَارِبٌ تَسْعَى إِلَيْهِ فَرُوحُهُ ... فِي شِدَّةِ التَّعْذِيبِ مِنْ لَدَغَاتِهَا
آخر: ... إِنَّ الْحَبِيبَ مِنَ الأَحْبَاب مُخْتَلَسُ ... لا يَمْنَعُ المَوْتَ بَوَّابٌ وَلا حَرَسُ