ومن ذاق شَيْئاً من ذَلِكَ وعرف طريقاً موصلة إلي الله ثُمَّ تركها وأقبل علي إرادته وراحاته وشهواته ولذاته وقع في آثار المعاطب وأودع قَلْبَهُ سجون المضايق وعذب في حياته عذاباً لم يعذب به أَحَداً من العالمين، فحياته عجز وغم وحزن وموته كدر وحسرة ومعاده أسف وندامة قَدْ فرط عَلَيْهِ أمره وشتت عَلَيْهِ شمله وأحضر نَفْسهُ الغموم والأحزان.
فلا لذة الجاهلين ولا راحة العارفين يستغيث فلا يغاث ويشتكي فلا يشكي فقَدْ ترحلت أفراحه وسروره مدبرة وأقبلت آلامه وأحزانه وحسراته فقَدْ أبدل بأنسه وحشة وبعزه ذلاً وبغناه فقراً وبجمعيته تشتيتاً وأبعدوه فلم يظفر بقربهم وأبدلوه مكَانَ الأنس إيحاشاً.
ذَلِكَ بأنه عرف طريقه إلي الله ثُمَّ تركها ناكباً مكباً علي وجهه فأبصر ثُمَّ عمي وعرف ثُمَّ أنكر وأقبل ثُمَّ أدبر ودعي فما أجاب وفتح له فولي ظهره الْبَاب قَدْ ترك طَرِيق مولاه وأقبل بكليته علي هواه.
فلو نال بعض حظوظه وتلذذ براحاته وشؤونه فهو مقيد الْقَلْب عن