للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انطلاقه في فسيح التَّوْحِيد وميادين الأنس ورياض المحبة وموائد القرب قَدْ انحط بسبب إعراضه عن إلههِ الحق إلي أسفل سافلين وحصل في عداد الهالكين فنار الحجاب تطلع كُلّ وَقْت فؤاده وإعراض الكون عَنْهُ – إذ أعرض ربه – حائل بينه وبين مراده.

فهو قبر يمشي علي وجه الأرض وروحه في وحشة من جسمه وقَلْبهُ في ملال من حَيَاتهُ يتمني الموت ويشتهيه ولو كَانَ فيه ما فيه حتى إذا جاءه الموت علي تلك الحال والعياذ بِاللهِ فلا تسأل عما يحل به من الْعَذَاب الأليم بسبب وقوع الحجاب بينه وبين مولاه الحق وإحراقه بنار البعد من قربه والإعراض عَنْهُ وقَدْ حيل بينه وبين سعادته وأمنيته.

فَلَوْ تَوَهَّمَ العَبْدُ المِسْكِيْنُ هَذِِهِ الحالَ وَصَوَّرْتها لَهُ نَفْسُهُ وَاَرَتْهُ إِيَّاهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا لتَقَطَّعَ وَاللهِ قَلْبُهُ وَلَمْ يَلْتَذَّ بِطَعَامٍ وَلاَ شَرَابٍ وَلَخََرَجَ إِلى الصُّعْداتِ يَجْأرُ إِلى اللهِ وَيَسْتَغِيْثُ بِِهِ وَيَسْتَعْتِبُهُ فِي زَمَنِ الاسْتِعْتَابِ هَذَا مَعَ أَنَّهُ إِذا آثَرَ شَهَواتِهِ وَلِذَّاتِهِ الْفَانِيَةَ الّتِي هِيَ كخَيَالِ طَيْفٍ أَوْ مُزْنَةِ صَيْفٍ نَغَّصَتْ عَلَيْهِ لذَّتَها أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَيْهَا وَحِيْلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَقْدَرَ مَا كَانَ عَلَيْهَا وتِلْكَ سُنَّةُ اللهِ فِي خَلْقِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} .

وهَذَا هُوَ غِبُّ إعراضه وإيثار شهواته علي مرضاة ربه يعوق القدر عَلَيْهِ أسباب مرداه فيخسر الأمرين جميعاً فيكون معذباً في الدُّنْيَا بتنغيص شهواته وشدة اهتمامه بطلب ما لم يقسم له وإن قسم له منه شيء فحشوه الخوف والحزن والنكد والألم فهم لا ينقطع وحَسْرَة لا تنقضي وحرص لا ينفد وذل لا

<<  <  ج: ص:  >  >>