للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأغراض الخسيسة الفانية كَانَ قَلْبهُ يحوم حول العرش فأصبح محبوساً في أسفل الحُش:

فَأَصْبَحَ كَالبَازِ المُنَتَّفِ رِيْشُهُ ... يَرَي حَسَراتٍ كُلَّمَا طَارَ طَائِرُ

وقَدْ كَانَ دَهْراً فِي الرِّيِاضِ مُنَعَّماً ... عَلَى كُلِّ مَا يَهْوَى مِنَ الصَّيْدِ قَادِرُ

إِلى أَنْ أصَابَتْهُ مِنَ الدّهْرِ نَكْبَةٌ ... إِذَا هُوَ مَقْصُوصُ الجناحَيْنِ حَاسِرُ

فَيَا مَنْ ذَاقَ شَيْئاً مِنْ مَعْرِفَةِ رَبِّهِ وَمَحَبَّتِهِ ثُمَّ أعْرَضَ عَنْهَا واسْتَبْدَلَ بِغَيْرِها مِنْهَا يَا عَجَباً لَهُ بأيَّ شَيْءٍ تَعَّوَض وكَيْفَ قَرَّ قَرارُهُ فَما طَلَبَ الرُّجوعَ إِلى أحنِيَتِهِ وَمَا تَعَرّض وَكَيْف اتّخَذَ سِوَى أحنِيَتِهِ سَكناً وجَعَلَ قََلبَهُ لِمَنْ عَادَاهُ مَولاَهُ مِنْ أجْلِهِ وطَناً أمْ كَيْفَ طَاوَعَهُ قَلْبُهُ عَلَى الاصْطِبَارِ وَوَافَقَهُ عَلَى مُسَاكَنَةِ الأغْيَارِ.

فَيَا مُعْرِضاً عَنْ حَيَاتِهِ الدَائِمَةِ وَنَعِيْمِهِ المُقِيمِ وَيَا بَائِعاً سَعَادَتَهُ العُظْمَى بِالعَذَابِ الألْيِمِ وَيَا مُسْخِطاً مَنْ حَيَاتًهُ وَرَاحَتُهُ وَفَوْزُهُ فِي رِضاهُ وطَالِباً رضى مَنْ سَعادَتُهُ فِي إِرْضاءِ سِوَاهُ إِنّمَا هِيَ لَذّةٌ فَانِيةٌ وشَهْوَةٌ مُنْقِضَيةٌ تَذْهَبُ لذّاتُها وتَبَقَى تَبِعَاتُهَا فَرَحُ سَاعَةٍ لاَ شَهْرٍ وغَمُّ سَنَةٍ بَلْ دَهْرِ طَعَامٌ لَذْيِذٌ مَسْمُومٌ أوَّلُهُ لذّةٌ وآخِرُهُ هَلاَكُ.

فالعَالِم عَلَيْهَا والساعي في توصيلها كدودة القز يسد علي نَفْسهُ المذاهب بما نسج عَلَيْهَا من المعاطب فيندم حين لا تنفع الندامة ويستقيل حين لا تقبل الاستقالة فطوبي لمن أقبل علي الله بكليته وعكف عَلَيْهِ بإرادته ومحبته.

<<  <  ج: ص:  >  >>