للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمران هم الدُّنْيَا وشقاء الآخرة. فقيل لَهُ: كيف لا تأتيه الآخرة بالسرور وَهُوَ يتعب فِي دار الدُّنْيَا ويدأب؟ قال: كيف القبول، كيف بالسلامة.

ثُمَّ قال: كم من رجل يري أنه قَدْ أصلح عمله يجمَعَ ذَلِكَ كله يوم القيامة ثُمَّ يضرب به وجهه، ومن هنا كَانَ عامر بن عبد قيس وغيره يقلقون من هذه الآية: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} .

وَقَالَ ابن عون: لا تثق بكثرة الْعَمَل، فإنك لا تدري يقبل منك أم لا، ولا تأمن ذنوبك فإنك لا تدري هل كفرت عنكَ أم لا؟ لأن عملك عنكَ مغيب كله لا تدري ما الَّذِي صانع به. وبكي النخعي عِنْدَ الموت وَقَالَ: أنتظر رسول رَبِّي ما أدري أيبشرني بالْجَنَّة أو النار؟

وجزع غيره عِنْدَ الموت، قيل لَهُ تجزع؟ قال: إنما هِيَ ساعة ولا أدري أين يسلك بي؟ وجزع بعض الصحابة عِنْدَ موته، فسئل عن حاله فَقَالَ: إن الله قبض خلقه قبضتين، قبضة للجنة وقبضة للنار ولست أدري فِي أي القبضتين أنا؟

ومن تأمل هَذَا حق التأمل أوجب لَهُ القلق فإن ابن آدم متعرض لأهوال عظيمة من ذَلِكَ، الوقوف بين يدي الله عَزَّ وَجَلَّ ودخول النار ويخشي عَلَى نَفْسهِ الخلود فيها بأن يسلب إيمانه عِنْدَ الموت، ولم يأمن المُؤْمِن شيئاً من هذه الأمور {فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} . فتحقق هَذَا، يمنع ابن آدم القرار.

إِذَا افْتَكَرَ اللَّبِيْبُ رَآى أُمُوْراً ... تَرُدُ الضَّاحِكَاتِ إِلى الوُجُوْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>