قال أبو بكر الصديق رَضِيَ اللهُ عنهُ: اتق الله بطاعته وأطلع الله بتقواه ولتخفْ يداك من دماء المُسْلِمِيْنَ وبطنك من أموالهم ولسانك من أعراضهم وحاسب نفسك فِي كُلّ خطوة وراقب الله فِي كُلّ نفس. وَاللهُ أَعْلم.
(فَصْلٌ)
وَقَالَ ابن القيم:
دافع الخطرة فإن لم تفعل صَارَت شهوة فإن لم تفعل صَارَت عزيمة وهمة فإن لم تدافعها صَارَت فعلاً فإن لم تداركه بصده صار عادة فيصعب عَلَيْكَ الانتقال عنها.
واعْلم أن كُلّ علم اختياري هُوَ الخواطر والأفكار فإنها توجب التصورات والتصورات تدعو إلي الإرادات والإرادات تقتضي وقوع الْفِعْل وكثرة تكراره تعطي العادة.
فصلاح هذه المراتب بصلاح الخواطر والأفكار وفسادها بفسادها وصلاح الخواطر بأن تَكُون مُرَاقَبَة لوليها وإلاهها صاعدة إليه دائرة عَلَى مرضاته ومحابه فإنه سُبْحَانَهُ به كُلّ صلاح ومن عنده كُلّ هدي ومن توفيقه كُلّ رشد ومن توليه لعبده كُلّ حفظ ومن تولي الْعَبْد عنْه وإعراضه عنهُ كُلّ ضلال وشقاء.
واعْلم أن الخطرات والوساوس تؤدي متعلقاتها إلي الفكر فيأخذها الفكر فيؤديها إلي التذكر فيأخذها التذكر فيؤديها إلي الإرادة فتأخذها الإرادة فتؤديها إلي الجوارح والْعَمَل فتستحكم فتصير عادة فردها من مبادئها أسهل من قطعها بعد قوتها وتمامها.
ومعلوم أن الإنسان لم يعط إماتة الخواطر ولا القوة عَلَى قطعها فإنها تهجم عَلَيْهِ هجوم النفس إلا أن قوة الإيمان والعقل تعينه عَلَى قبول أحسنها ورضاه به وساكنته لَهُ وعَلَى دفع أقبحها وكراهته لَهُ ونفرته منه.