وقَدْ خلق الله النفس شبيهة بالرحي الدائرة التي لا تسكن ولابد لها من شَيْء تطحنه فإن وضع فيها حب طحنته وإن وضع فيها تراب أو حصي طحنته فالخواطر والأفكار التي تجول فِي النفس هِيَ بمنزلة الحب الَّذِي يوضع فِي الرحي ولا تبقي تلك الرحي معطلة قط بل لابد لها من شَيْء يوضع فيها.
فمن النَّاس من تطحن رحاه حباً يخرج دقيقاً ينفع به نَفْسَهُ وغيره وأكثرهم يطحن رملاً وحصي وتبناً ونحو ذَلِكَ فإِذَا جَاءَ وَقْت العجن والخبز تبين لَهُ حَقِيقَة طحينه أهـ قُلْتُ وبَعْضهمْ من يطحن برحاه نجاسات كالزناة واللوطية واللصوص وأَهْل الملاهي وَجَمِيع الفسقة.
وَقَالَ ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عنهُ ارض بما قسم الله لك تكن من أغني النَّاس واجتنب ما حرم الله عَلَيْكَ تكن من أورع النَّاس وأد ما افترض الله عَلَيْكَ تكن من أعبد الناس.
وَقَالَ ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ: لله سُبْحَانَهُ عَلَى كُلّ أحد عبودية بحسب مرتبته سوي العبودية العامة التي سوي بين عباده فيها.
فعَلَى العَالم من عبودية نشر السنة والعلم الَّذِي بعث الله به رسوله ? ما لَيْسَ عَلَى الجاهل وعَلَيْهِ عبودية الصبر عَلَى ذَلِكَ ما لَيْسَ عَلَى غيره.
وعَلَى الحاكم من عبودية إقامة الحق وتنفيذه وإلزامه من هُوَ عَلَيْهِ به والصبر عَلَى ذَلِكَ والجهاد عَلَيْهِ ما لَيْسَ عَلَى المفتي وعَلَى الغني من عبودية أداء الحقوق التي فِي ماله ما لَيْسَ عَلَى الفقير.
وعَلَى القادر عَلَى الأمر بالمعروف والنهي عن الْمُنْكَر بيده ولِسَانه ما لَيْسَ عَلَى العاجز عنهما.
وقَدْ غر إبلَيْسُ كثيراً من الخلق بأن زين لهُمْ الاقتصار عَلَى القيام بنوع من الذكر والقراءة والصَّلاة والصيام والزهد فِي الدُّنْيَا والانقطاع عن الاختلاط بِالنَّاسِ وعطلوا القيام بالعبوديات المتعدي نفعها المتقدم ذكرها.
وإِذَا قُلْتُ لأحدهم كيف حالك قال بخَيْر وسرور وأي خَيْر وسرور فيمن